عائشة سعدي محامية متمرنة
تستند المحكمة الجنائية الدولية على مجموعة من المبادئ القانونية الغاية من إقرارها تحقيق عدالة جنائية دولية، هذه المبادئ منها ما تتبناه القوانين والتشريعات الداخلية للدول الأعضاء في نظام روما، وذلك مراعاة للانسجام بين هذا النظام والقوانين الوطنية، ومنها ما انفردت به هذه المحكمة نظرا لطبيعة اختصاصها النوعي، إذ تنظر في الجرائم التي تتميز بالخطورة والبشاعة، وسنحاول من خلال هذا المقال التطرق إلى المبادئ الأساسية المشتركة.
يعد مبدأ الشرعية أو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من أهم الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات، ويقصد به أنه لا يمكن اعتبار نشاط معين جريمة إلا إذا كان يجرمه القانون، وقد أكدت المادة 22 من نظام روما على هذا المبدأ وضرورة التقيد به.
كما نصت المادة 23 من هذا النظام على مبدأ شرعية العقوبات، إذ لا عقوبة إلا بناء على نص قانوني، وقد اعتمد نظام روما على نوعين من العقوبات، العقوبات السالبة للحرية وتشمل السجن المؤبد والسجن المؤقت والغرامات المالية والمصادرة.
ويشكل مبدأ عدم رجعية القاعدة القانونية من بين نتائج مبدأ الشرعية، ويقصد به أن القاعدة الجنائية تسري بأثر فوري أي على الجرائم التي ترتكب في ظل وجود القانون الزاجر، وقد نصت على هذه القاعدة مقتضيات المادة 24 من نظام روما.
كما يعد مبدأ قرينة البراءة من أهم المبادئ الأساسية المشتركة بين نظام روما والقوانين الوطنية، ويقصد به أن كل متهم أو مشتبه فيه بريء إلى أن تثبت إدانته بمقتضى حكم بات، وقد أكدت المادة 66 من نظام روما على هذا المبدأ الذي وبدون شك يشكل ضمانة أساسية لكل متابع، والذي يرتبط بمبدأ الشرعية الجنائية، كما تترتب عنه بعض النتائج والمتمثلة أساسا في إلقاء عبء الإثبات على النيابة لا على المتهم، وكذا تفسير كل شك لمصلحة المتهم.
ومن المبادئ المشتركة أيضا نجد مبدأ الحق في محاكمة قانونية، حيث نصت المادة 67 من نظام روما على ضرورة تمتيع كل شخص بضمانات المحاكمة العادلة، وذلك من خلال استفادة كل متهم من الحق في تبليغه بالتهمة الموجهة إليه، وكذا الحق في الدفاع من خلال استفادته من خدمات محام والحق في محاكمة في وقت معقول.
ونصت المادة 20 من النظام نفسه على مبدأ عدم جواز المعاقبة على الجريمة ذاتها مرتين، أي لا يمكن أن يتابع أو يحاكم الشخص نفسه من أجل الأفعال الإجرامية ذاتها، ويعد هذا المبدأ من المبادئ المرتبطة بحقوق الإنسان وبشروط المحاكمة العادلة.
كما تبنى نظام روما مبدأ التقاضي على درجتين، وذلك من خلال الطعن عن طريق الاستئناف ضد الأحكام القضائية الصادرة عن الدائرة الابتدائية، والتي تكون مشوبة بأحد العيوب التي حصرتها المادة 81، وهي وجود خطأ جوهري في القانون، أو الخطأ في الواقع أدى إلى سوء تطبيق العدالة، أو خطأ في الإجراءات، أو عدم التناسب الواضح بين الجريمة والعقوبة.
فإذا توافرت إحدى هذه الحالات يحق للمدعي العام والمحكوم عليه الطعن بالاستئناف عن طريق إيداع تقرير الاستئناف موضحا أسبابه، وينعقد للدائرة الاستئنافية حق النظر في هذا الطعن وهي تتمتع بصلاحيات واسعة، إذ لها أن تلغي أو تعدل الحكم الابتدائي، كما لها أن تأمر بمحاكمة جديدة أمام الدائرة الابتدائية بتشكيلة مختلفة، ويصدر الحكم بأغلبية القضاة ويكون النطق به في جلسة علنية. كما يجب أن تكون الأحكام معللة، وأن تتضمن آراء الأغلبية وآراء الأقلية من القضاة، طبقا للمادة 83 من النظام.
كما أقر نظام روما إمكانية الطعن بإعادة النظر وذلك أمام الجهة القضائية نفسها التي أصدرت الحكم المطلوب إعادة النظر فيه، وقد حدد هذا النظام من خلال المادة 82 حالات التماس إعادة النظر وهي:
– اكتشاف أدلة جديدة على قدر كبير من الأهمية، لو كانت قد اكتشفت وقت المحاكمة لتغير منطوق الحكم.
– إذا كانت الأدلة التي بني عليها الحكم مزيفة أو مزورة أو ملفقة.
– إذا ارتكب أحد القضاة سلوكا جسيما أو إخلالا بواجباته على نحو يكفي لعزل ذلك القاضي.
فبتوافر إحدى هذه الحالات يمكن تقديم التماس إعادة النظر مع تبيان الأسباب والمستندات المؤيدة للطلب، ويكون القرار الصادر بعد النظر في طلب إعادة النظر قاضيا إما بالرفض أو القبول، وفي الحالة الأخيرة يتم إعادة الملف إلى الشعبة الابتدائية.