ما وراء التململ اليميني من نتنياهو
أنطوان شلحت
في ضوء واقع أن جولة الانتخابات الإسرائيلية العامة القريبة، الرابعة خلال نحو عامين، ستدور في الأساس بين أطياف اليمين الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تسفر عن استمرار حكمه الممتد منذ 1977، يطرح السؤال حول السبب أو جملة الأسباب التي لا تجعل جميع هذه الأطياف تصطف وراء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، زعيم الليكود، أكبر أحزاب اليمين. وعلى الرغم من أن التركيز يتم على العامل المتعلق بشبهات الفساد التي تحوم حوله، وجعلته يُخضع الشأن العام كله لمصلحة الهروب من محاكمته، فإن هذا ينبغي ألا يحجب النظر عن وجود جيوب معارضة داخل اليمين لسياسته العامة، وخصوصا حيال الفلسطينيين.
وسبق أن شهدنا مثل حالة التململ اليميني الراهنة من نتنياهو في الأعوام الأولى من ولايته الحالية، وتحديدا بين 2009 – 2013، على خلفية بعض خطوات أقدم عليها وجعلته، بكيفية ما، ينأى بنفسه عن مواقف اليمين التقليدية. وفي حينه، وجهت معظم سهام النقد إلى ما يلي: خطاب «بار إيلان 1» الذي ألقاه نتنياهو يوم 14 يونيو 2009 وتبنى فيه «حل دولتين لشعبين»، وهو في عرف اليمين «خلاصة مقاربة اليسار الصهيوني»، تجميد أعمال البناء في مستوطنات الأراضي المحتلة 1967 عشرة شهور والاستعداد لتمديد ذلك، في مقابل اعتراف بـ«دولة الشعب اليهودي»، تجميد جزئي للاستيطان في القدس وفي كل مدن الضفة الغربية، الاستعداد للتفاوض بشأن الانسحاب من هضبة الجولان، معاملة وصفت بأنها باردة للمستوطنين الذين يسكنون خارج ما تسمى «الكتل الكبرى». وتراجع هذا التململ قليلا، بعدما ألقى نتنياهو «خطاب بار إيلان 2» يوم 6 أكتوبر 2013، وتضمن انكفاء عما ورد في الخطاب السابق، واعتبره اليمين الخطاب الأفضل له رئيسا للحكومة.
بمتابعة النقاش الدائر في الوقت الحالي في هذا الصدد، أول ما يصادفنا هو ما يتعلق بإرجاء ضم الأراضي المحتلة، وفقا لما ورد في خطة «صفقة القرن». وبالإمكان تصنيف صنفين من التململ: الأول، يأخذ على نتنياهو أنه بعدم ضمه منطقة الأغوار فور إعلان تلك «الصفقة»، فوت على دولة الاحتلال فرصة لن تتكرر، سيما إثر انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي ترامب. والثاني، يتهم نتنياهو بأنه، بشكل شخصي، غير راغب في الضم أصلا، وأن من يدفع نحوه قاعدته الانتخابية الصلبة. ولذا هو يكتفي بالحديث عنه، من دون وجود نية حقيقية لديه لترجمة الأقوال إلى أفعال.
وسجل المنتمون إلى الصنف الثاني على نتنياهو: – سنحت له فرص كثيرة لإلغاء اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، ولكنه لم ينتهزها، بل مضى نحو عقد في التفاوض على مزيد من الاتفاقات مع الفلسطينيين، ولم ينكفئ على جوهر ما ورد في «خطاب بار إيلان 1»، وفي صلب ذلك تأييد «حل الدولتين لشعبين»، وآثر الحفاظ على «الوضع القائم». – لو كان نتنياهو جادا في موضوع ضم الأغوار لكان اتخذ قرارا داخل الحكومة، كما حدث في الماضي بالنسبة إلى خطوتي ضم القدس المحتلة وضم هضبة الجولان. – أيد نتنياهو خطة فك الارتباط مع قطاع غزة.
على أن النقطة الأهم داخل هذا النقاش أن نتنياهو لا يعارض، على نحو مطلق، قيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة في 1967، بل يضع شروطا للموافقة على إقامتها. وحتى لو كانت هذه الشروط تفرغ تلك الدولة من مضمونها السيادي، ومن إمكان تجسيدها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، على غرار أن تكون منزوعة السلاح وما شابه ذلك، فإن هذا اليمين لا يرضى بأقل من معارضة قيام دولة كهذه. بل يذهب بعضه إلى القول إنه طالما أن نتنياهو لا يعارض قيامها، بل يشترط عدة شروط لذلك، فهو «جزء من اليسار». وبقدر ما يكشف هذا القول عن هوية اليمين الذي يشكل أساس قاعدة نتنياهو الانتخابية، فهو يلوح بما قد يكون في مركز جدول الأعمال السياسي داخل إسرائيل في الفترة المقبلة.