ما هي فرص نجاح أو انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا؟
اتفقت روسيا وأمريكا مساء الخميس على وقف لإطلاق النار في سورية في غضون أسبوع، بهدف إحياء مفاوضات السلام، ووقف نزوح المدنيين من منطقة حلب، وإيصال فوري للمساعدات الإنسانية إلى المحاصرين المدنيين، ولكن فرص نجاح هذا الاتفاق تبدو محدودة، لأن التزام النظام به غير مؤكد، ولأن القوى العسكرية الحقيقية التي تقاتل على الأرض، مثل “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”، خارج سيطرة الدولتين العظميين، وليست طرفا في العملية السلمية التفاوضية.
الرئيس السوري بشار الأسد الذي يعيش حالة غير مسبوقة من الثقة بفعل إنجازات قواته على الأرض بدعم روسي، كان واضحا في التعبير عن نواياه، برفض الالتزام، عندما قال في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية بثته الجمعة، “التفاوض ومكافحة الإرهاب مساران منفصلان”، وأضاف “أن نفاوض لا يعني أن نتوقف عن مكافحة الإرهاب”، ولا نعتقد أنه يذهب إلى هذا الحد من التحدي لولا تفاهمه مع حلفائه الروس في هذا المضمار.
فهذه هي المرة الأولى، ومنذ بداية الأزمة السورية قبل خمس سنوات يحقق الجيش العربي السوري تقدما ملحوظا في جبهات القتال، ويكسر “نحس″ شهر شباط الذي يذكره بانكساراته، خاصة في منطقة حلب، ففي شهر فبراير الماضي حاول الجيش السوري استعادة حلب من أيدي المعارضة المسلحة، وخسر مدينتي إدلب وجسر الشغور دون أن يستعيدها، أي حلب.
نقطة التحول الرئيسية التي تكمن خلف هذه الإنجازات، الغطاء الجوي الروسي، ودعم آلاف المقاتلين من حزب الله، وأفغانستان وباكستان، و”مستشاري” الحرس الثوري الإيراني، علاوة على الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الجيش السوري في ميدان حرب العصابات والحروب التقليدية على مدى السنوات الماضية، والسلاح الروسي الجديد المتطور الذي بات في حوزته.
التفسير الأقرب للحقيقة لهذا الانقلاب في موازين القوى الميدانية لصالح النظام في دمشق يعود إلى أن حلفاء النظام من روس وإيرانيين ومقاتلي حزب الله، أكثر التزاما وتصميما وإخلاصا لقضيتهم وأهدافهم، من نظرائهم في الجانب الآخر الداعم للمعارضة المسلحة، التي تريد إطاحة النظام، حسب تحليل لمجلة “الايكونوميست” البريطانية الشهيرة، واللافت أنه لا توجد أي مؤشرات على أن هذا الوضع سيتغير في المستقبل المنظور.
الرئيس الأسد يرى في مفاوضات جنيف “فرصة” لتعزيز مكاسبه على الأرض، وفرضها كأمر واقع على الأمم المتحدة تعترف به لاحقا، مستغلا ضعف إدارة الرئيس أوباما الذي دخل الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية، ولا يستطيع، أو بالأحرى لا يريد، أن يفعل أكثر مما فعل.
مدينة حلب باتت محاصرة بالكامل، والقوات النظامية باتت على بعد بضعة كيلومترات من الحدود التركية، والرئيس الأسد أوضح، في مقابلته الآنفة الذكر، أن استعادة حلب قد تستغرق وقتا طويلا، وأن الهدف الآن هو السيطرة على الحدود والمعابر مع تركيا لقطع الإمدادات اللوجستية للمعارضة السورية المسلحة، ويبدو أن إمكانية تحقيق هذا الهدف في غضون الأسبوع الذي سيسبق وقف إطلاق النار واردة.
الروس أذكياء بالمقارنة مع خصمهم الأمريكي وحلفائه، حتى الآن على الأقل، فقد لعبوا أوراقهم بشكل جيد، خاصة الكردية منها، فقد قدموا وعدا لأكراد سورية بمنحهم شريطا كرديا “متصلا” في مناطقهم شمال شرق سورية من أجل كسبهم إلى جانبهم، وهو وعد لم يستطع الأمريكان تقديمه خوفا من غضب حلفائهم الأتراك، الذين يعتبرون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري حزبا إرهابيا، ويشكل امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وهدد الرئيس رجب طيب أردوغان قبل يومين أمريكا بأن عليها أن تختار بين تركيا والأكراد، بعد توارد الأنباء عن زيارة المبعوث الأمريكي في الملف السوري لمدينة عين العرب “كوباني” الكردية ولقائه مع صالح مسلم، زعيم الحزب المذكور.
الضجة التي أثارتها السعودية بإعلان استعدادها لإرسال قوات برية خاصة إلى سورية لقتال تنظيم “الدولة الاسلامية” كانت بمثابة “فقاعة” فجرها الموقف الروسي الصلب أثناء مباحثات ليلة الجمعة بين سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا ونظيره الأمريكي جون كيري في ميونيخ، وقال الأول، أي لافروف “إن اجتماع مجموعة دعم سورية لم يتطرق مطلقا لأي عملية برية سعودية محتملة في سورية، ولم يدرس مسألة إقناع الرياض بالتخلي عنها”، وبمعنى آخر أن هذا العرض السعودي جرى تجاهله بالكامل».
إرسال قوات سعودية، وأخرى من الدول الخليجية إلى سورية كانت مشروطة بتحقيق أمرين أساسيين، الأول: أن تكون تحت قيادة أمريكية، والثاني: أن توافق كل من تركيا والأردن على فتح مطاراتها ومعابرها البرية أمامها، والرفض الأمريكي لقيادة هذه القوات نسف الشرطين معا، كما أن تقدم القوات السورية نحو الحدود التركية أغلق الأبواب نهائيا أمامها وقبل أن تتحرك من قواعدها في بلدانها الأصلية.
حلب.. هذه المدينة التاريخية العملاقة ستكون البوصلة التي ستحدد، ليس ما سيحدث في سورية فقط، وإنما منطقة الشرق الأوسط برمتها، كما أنها ستكون العامل الحاسم في مسألتي السلام أو الحرب، السلام الإقليمي أو الحرب العالمية الثالثة، وما علينا إلا مراقبة التطورات التي ستحدث في ريفها الشمالي لنعرف في أي اتجاه تسير الأمور.