ما هي الملفات التي ستبحثها «قمة المأزومين» في القاهرة؟
تزينت مدينة القاهرة بأبهى حللها، ورفرفت أعلام المملكة العربية السعودية الخضراء، بسيفيها ونخلتها، في معظم ميادينها وشوارعها احتفالا بوصول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارة رسمية تعتبر الأولى منذ توليه العرش قبل عام ونيف، خلفا لشقيقه الراحل الملك عبد الله، الذي جعل الدعم السياسي والمالي لأرض الكنانة ونظام حكم رئيسها عبد الفتاح السيسي حجر الزاوية في سياسته الإقليمية.
من يتابع الاهتمام المبالغ فيه بهذه الزيارة «التاريخية» من قبل وسائل الإعلام بأشكالها المتعددة في البلدين، والنتائج التي ستتمخض عنها، يدرك دون أدنى تردد وجود «أزمة» في العلاقات بين البلدين، وتعليق آمال عريضة لتسويتها، وقطع ألسنة جميع «المشككين» الذين يحاولون أن يغردوا خارج سرب التفاؤل السائد.
بعيدا عن المبالغات الإعلامية والاحتفالات، نؤكد أن هذه الزيارة على درجة كبيرة من الأهمية، بسبب حجم الطموحات المعلقة عليها سياسيا واقتصاديا من الجانبين، وضخامة الملفات المعقدة التي تنصب عليها المحادثات الرسمية طول مدة الزيارة التي تطول إلى خمسة أيام، فالتحالف المصري السعودي هو الذي أدى إلى إخراج القوات العراقية من الكويت، وتدمير العراق لاحقا، والحرب بينهما في اليمن هي التي أدت إلى هزيمة حزيران عام 1967.
إنها قمة قيادتين إقليميتين «مأزومتين» ويبحث كل طرف فيها أن يقدم له الطرف الآخر «طوق النجاة» أو سلما للنزول من فوق شجرة أزماته العالية جدا، والمليئة بعشش الدبابير «السامة» من كافة الأشكال.
العاهل السعودي، وبعد أن تعرض للخذلان والطعن في الظهر من قبل حليفه الأمريكي، وبعد ثمانين عاما من الحماية والتنسيق الأمني والعسكري والسياسي في جميع القضايا الإقليمية والدولية، بات يشعر أن ظهره بات مكشوفا في مواجهة عدو إقليمي شرس، وهو إيران (اسرائيل ليست عدوا في الوقت الراهن على الأقل)، وبات بحاجة إلى نظام، أو حلف أمني وعسكري إسلامي وعربي جديد لتعويض الغطاء الأمريكي، وليس هناك أهم من مصر لتكون حجر الأساس فيهما لمكانتها وقوتها وموقعها الاستراتيجي، وخروج القوتين الأقليميتين الأخريين، سورية والعراق، من المعادلة لأسباب لا تحتاج إلى شرح.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يواجه أزمات اقتصادية ومالية طاحنة، ويحتاج إلى 200 مليار دولار على الأقل للوصول ببلاده إلى التعافي وبر الأمان، ويبلغ العجز في الميزانية العامة الحالية 43 مليار دولار، بينما يصل حجم ديون بلاده الخارجية 47 مليارا، ويعتقد الرئيس المصري أن المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم (عشرة ملايين برميل يوميا) والتي تملك احتياطيا نقديا في حدود 662 مليار دولار، هي الوحيدة القادرة على إخراج بلاده من مأزقها المالي والاقتصادي الحالي، ولكن شهر العسل مع العوائد والاحتياطات النفطية عمره قصير (خمس سنوات) والسنوات السمان تقترب من نهايتها، والتقشف هو عنوان الأعوام القادمة.
هناك ثلاثة ملفات سياسية وعسكرية رئيسية ستكون محور زيارة العاهل السعودي مع مضيفه المصري:
الملف الأول: الحرب في اليمن التي دخلت قبل أيام عامها الثاني دون نجاح «عاصفة الحزم» التي أطلقتها السعودية وحلفاؤها العرب لإعادة النظام الشرعي الذي يمثله الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى العاصمة صنعاء، وهزيمة التحالف «الحوثي الصالحي» وفرض الاستسلام عليه، لم تحقق أيا من أهدافها، وبدأت تعطي نتائج عكسية مثل نقل الحرب إلى أطراف المملكة الجنوبية، وتعاظم الخسائر المادية والبشرية، ولذلك سيحاول العاهل السعودي إقناع الرئيس السيسي بالتخلي عن حذره، وإرسال قوات أرضية إلى اليمن، وعدم الاكتفاء بوجود رمزي لتأمين الملاحة في باب المندب، والتخلص من «عقدة» حرب الستينات التي راح ضحيتها 20 ألف جندي مصري.
الملف الثاني: يتعلق بالحرب في سورية التي تشكل فيها السعودية رأس حربة، وتصر على إسقاط الرئيس بشار الأسد وحكمه، ولكن مرور خمس سنوات دون أنجاز هذا الهدف، وتصاعد الخلافات مع واشنطن حول سلم الأولويات، والتراجع التركي بسبب التفجيرات الارهابية «المتناسلة» في أنقرة وإسطنبول، وتفاقم الخلاف والتوتر مع روسيا، وحرب الاستنزاف مع حزب العمال الكردستاني، كل هذه العوامل تشكل عقبات كبيرة تحول دون تحقيق المملكة لأهدافها، ولذلك تحتاج إلى دعم مصر التي تمسك العصا من الوسط في الأزمة السورية، وتنأى بنفسها عن المعارضة المسلحة، وتبقي قنوات اتصال مع النظام، وتعزز علاقاتها مع روسيا مجددا.
الملف الثالث: العلاقات مع إيران التي تعتبرها السعودية الخطر الإقليمي الأساسي ضدها ودول الخليج عامة، وتخوض حربا بالإنابة معها في اليمن وسورية ولبنان، ويبدو أن الرئيس السيسي استخدم الورقة الإيرانية جديا للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والمادية من السعودية، وسمعنا السيد سامح شكري يغازل الضيف السعودي وينتقد إيران التي تحاول مد نفوذها بشكل «طائفي» في دول الجوار، مؤكدا أن مصر مستمرة في قطع العلاقات مع إيران حتى «اللحظة»، واستقبلت مصر العاهل السعودي بتقديم «هدية قيمة» بحذف قناة «المنار» من القمر الصناعي المصري «نايل سات».
من الصعب علينا إصدار أحكام حول نتائج زيارة العاهل السعودي لمصر، لكننا ندرك جيدا أن معيار النجاح من عدمه يعتمد بالدرجة الأولى على ما يمكن أن تقدمه السعودية من منح ومساعدات وقروض واستثمارات مالية للمضيف المصري، وما يمكن أن تحصل عليه من تنازلات، ومكاسب سياسية وأمنية وعسكرية في الملفات الثلاثة المذكورة آنفا في المقابل.
نقطة أخرى ستكون عاملا حاسما في النجاح والفشل، وهي مدى استعداد القيادة المصرية للتنازل عن الزعامة والقيادة للضيف السعودي في العالمين العربي والإسلامي، فمصر تعتبر، وعلى مدى ثمانية آلاف عام، أن هذه الزعامة من نصيبها بحكم ثقلها ودورها وريادتها ومكانتها.
السفير السعودي في مصر بشر المصريين بأن العاهل السعودي يحمل لهم «هدية» قيمة وكبيرة رفض الإفصاح عن كنهها، الأمر الذي أدى إلى رفع سقف توقعاتهم ماليا واقتصاديا، لكن إذا تأملنا التسريبات الإعلامية السعودية والمصرية نرى أنها ما زالت أقل كثيرا من المأمول، مثل أنباء عن استثمارات بأربعة مليارات دولار لاستصلاح 1.5 مليون فدان، و1.5 مليار دولار لإعمار وتنمية سيناء، ومنحة نفطية بتغطية احتياجات مصر من النفط لخمس سنوات قيمتها 20 مليار دولار بفوائد منخفضة بحوالي 2 بالمئة فقط.
ولا نستطيع أن نذهب بعيدا في التعاطي مع الأنباء التي تتحدث عن احتمال إقدام السعودية على تحقيق مصالحة بين مصر وتركيا لأن هذه الخطوة محفوفة بالعثرات، فدعم أردوغان للإخوان المسلمين استراتيجي ومحكوم بتحالف مع دولة قطر، ولأن المصالحة التركية المصرية يجب أن تسبقها، أو تتبعها، مصالحة وطنية مصرية، ولا يوجد أي مؤشر على أنها ممكنة.
زيارة العاهل السعودي لمصر ربما تذيب بعض الجليد، وتنجح في إدارة الخلافات، من حيث حل بعضها، وتجميد، أو تقليص، مخاطر البعض الآخر، واحتفاظ كل طرف بوجهة نظره وحلفائه.
الإعلام المصري نبش صورة من أرشيفه تظهر الملك سلمان محاربا في شبابه في قناة السويس، للتأكيد على عمق العلاقات التاريخية، ولكن هناك صورا أخرى في الأرشيفين السعودي والمصري اتفق الطرفان على إخفائها توحي بعكس ذلك، وهذا قمة العقل والحكمة في الظروف الراهنة على الأقل.