ما هي الرسائل التحذيرية التي وجهتها روسيا إلى دول الخليج وتركيا؟
ثلاث محطات رئيسية من المحتم التوقف عندها إذا أردنا أن نقرأ ما بين سطور المشهد السوري وتطوراته، بعد التدخل العسكري الروسي، الذي قلب كل الموازين والمعادلات، وزاد من الارتباكين العربي والأمريكي معا:
الأولى: طريقة قراءة الروسية الشابة اكتاتيرينا غريغوروفا التي تحمل درجة الدكتوراه في العلوم الجغرافية، للنشرة الجوية في محطة «روسيا 24»، الدكتورة «الجميلة» اكتانيرينا «خرجت عن النص» وأضافت الأحوال الجوية في سورية إلى نشرتها، وقالت يوم أمس أن خبراء الأحوال الجوية يؤكدون أن الطقس ملائم جدا لقصف الطائرات الروسية لأهدافها في سورية، ووضعت صورة لهذه الطائرات خلفها، وليس خريطة الطقس وتقلباته، ورياحها، ودرجات الحرارة، مثلما جرت العادة، وقالت إن الطقس رائع في سورية في شهر أكتوبر، حيث الحرارة تصل إلى 21 درجة مئوية في النهار، و5 درجات مئوية في الليل، وسرعة الرياح 15 مترا في الثانية، وأكدت أن الأمطار تهطل كل عشرة أيام، ولكنها لن تؤثر، أو تعرقل الغارات الجوية.
المحطة الثانية: إعراب وزارة الخارجية الروسية عن خيبة أملها إزاء تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، دعا فيها إلى «ضرورة مواجهة روسيا في سورية».
المحطة الثالثة: الرسائل التي قيل إن روسيا وجهتها إلى دول الخليج، وقطر والسعودية على وجه الخصوص، حذرت فيها من عواقب وخيمة في حال ما أقدمت على تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ مضادة للطائرات، وتكرار سيناريو أفغانستان في هذا الصدد.
إذا تأملنا هذه المحطات، نجد أن القيادة الروسية تعتبر التدخل في سورية تحت غطاء محاربة المتشددين الاسلاميين مسألة تتعلق بالأمن القومي لروسيا، وينعكس هذا بوضوح على التعبئة الإعلامية والسياسية لدعم هذا التدخل، حتى وصل الأمر إلى نشرات الأحوال الجوية في المحطات التلفزيونية الرسمية.
القيادة الروسية، وعلى عكس نظيرتها الأمريكية لا تعاني من عقدة هزيمتها في أفغانستان، فيما يبدو، ولا تجعل من هذه الهزيمة، التي أرخت لانهيار الامبراطورية السوفييتة، عائقا أمام التدخل عسكريا في سورية لإنقاذ النظام الحليف الوحيد لها في العالم العربي، والحيلولة دون سقوطه، ومحاولة استعادة نفوذها بقوة في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وربما لم يكن من قبيل الصدفة أن توجه السلطات الروسية رسائل تحذير إلى السعودية وقطر من ناحية، وتركيا من ناحية أخرى، بعد إصدار 55 عالما إسلاميا سعوديا بيانا دعوا فيه إلى الجهاد ضد القوات الروسية في سورية.
هذا الإعلان أحرج المملكة العربية السعودية، وأثار مخاوفها من النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا البيان، وأبرزها ظهورها بمظهر الداعم للجماعات «الجهادية الإرهابية» التي تقاتل لإسقاط النظام في سورية، في وقت تحاول أن تقدم نفسها كدولة تقف في خندق «الاعتدال» وفصائله في سورية، وربما ينعكس هذا الحرج في الهجمات الشرسة التي شنها الجيش الإلكتروني الرسمي السعودي على هؤلاء العلماء والسخرية من بيانهم، وعدم وجود عالم واحد من «هيئة العلماء» السعودية الرسمية بينهم.
الأمر الآخر اللافت للنظر حالة الصمت التي تسود الموقف الرسمي السعودي تجاه التدخل الروسي في سورية، فحتى هذه اللحظة لم يصدر أي بيان، أو توضيح تجاه هذا التدخل، ربما لتجنب أي صدام مع روسيا في هذا الوقت الذي تتورط فيه السعودية في حرب يمنية مفتوحة النهايات، وأزمات مالية متلاحقة من جراء تورطها في هذه الحرب، وانخفاض أسعار النفط، وعوائده، وتآكل الاحتياط المالي، بسبب العجز في الميزانية، وأسباب أخرى.
لا بد أن القيادة السعودية تدرك جيدا أن سيناريو تدخلها في الحرب الأفغانية ضد السوفييت قبل 35 عاما صعب تكراره، بسبب ظروفها الداخلية والمالية أولا، ولأن روسيا تعيش حالة نهوض حاليا برئاسة فلاديمير بوتين، على عكس عهود بريجنيف وغورباتشوف ويلستين، والأهم من كل هذا وذاك، أنها، أي القيادة السعودية، لا تستطيع استخدام سلاح «الدين الاسلامي»، وتعبئة المجاهدين، وحشدهم ضد موسكو، لسبب بسيط، وهو أن روسيا ليست «شيوعية»، وشعبها وجيشها ليس ملحدا، وأصبحوا من «أهل الكتاب».
وإذا كان التحذير الروسي للسعودية ودول الخليج الأخرى جاء «شفهيا» فإن التحذير الآخر لتركيا جاء عسكريا، من خلال اختراق الطائرات الروسية للأجواء التركية مرتين وليس واحدة، وهذا الاختراق لم يكن بسبب سوء الأحوال الجوية، مثلما جاء في البيان الرسمي، وإنما جاء متعمدا، فالدكتورة اكتاتيرينا، قارئة النشرة الجوية، أكدت أن الأجواء السورية كانت صافية تماما، ولم تدرك أن «شهادتها» هذه ستصب في غير مصلحة حكومتها، اللهم إلا إذا كانت تنفذ أوامر رسمية حتى في صياغة النشرة الجوية، وهذا أمر غير مستبعد على أي حال.
الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أكد أمس أن خرق الطائرات الروسية للأجواء التركية «ليس عرضيا»، ووصفه بأنه «انتهاك خطير»، داعيا إلى عدم تكرار الأمر، وروسيا تدرك جيدا، أنه لم يكن عرضيا، بل متعمدا، لتوجيه رسالة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان بأن عليه أن «يهدأ، وأن يتراجع عن تدخلاته في سورية من خلال السماح بتحويل بلاده إلى ممر للمتطوعين، والأسلحة إلى الجماعات الجهادية، وهو الدعم الذي أدى إلى هزيمة الجيش السوري، وخسارته عدة مدن استراتيجية، مثل جسر الشغور، وإدلب، ونصف حلب، ومعظم ريفها، علاوة على تدمير والرقة في الشرق.
الرئيس أردوغان سيتردد طويلا قبل إعطاء الأوامر بالتصدي للطائرات الروسية وإسقاطها، مثلما فعل مع طائرات سورية اخترقت الأجواء التركية قبل بضعة أشهر، لأن مثل هذه الخطوة قد لا تمر بسلام أولا، ولأنه يريد أن يرفع حجم التبادل التجاري بين بلاده وروسيا من 30 مليار دولار إلى مئة مليار دولار في غضون السنوات الخمس القادمة.
كل هذه التطورات الخطرة والمتسارعة في المشهد السوري، وقعت بعد أسبوع واحد فقط من بدء الطائرات الروسية لغاراتها. ترى كيف سيكون عليه الحال بعد شهر أو عام؟