ما لم يقله ميراوي
خرج وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خلال الندوة الصحفية بمناسبة الدخول الجامعي، ليتحدث بشكل عابر في كل صغيرة تهم التعليم العالي إلا القضايا الكبرى التي تسائل جامعاتنا ومعاهدنا ومستقبلنا. تحدث عن تحكيم رئيس الحكومة بشأن النظام الأساسي، ونسبة الإضراب الذي أعلنته نقابة البيجيدي في الجامعات المغربية، وتقادم شهادة الباكالوريا، الطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا، وكلها قضايا مهمة لكنها جزئية بالنظر للكليات التي يتطلبها النهوض بالجامعة المغربية.
ما غاب أو تم تغييبه عن خطاب الوزير ميراوي هو الخوض في هوية الجامعة التي نريد، لا ننسى أن تعليمنا العالي أصبح مثل الغراب الذي حاول كثيراً أن يقلد مشية الحمامة ولم يستطع، وبعدما فشل فشلاً ذريعاً ويئس من التقليد أراد العودة لمشيته القديمة فاكتشف أنه نسيها أيضاً، فليس هو بالغراب ولا هو حمامة فقد هويته بالكامل، وهذا بالضبط ما ينطبق على تعليمنا العالي الذي تحول إلى مختبر للتجارب بين النموذج الفرنسي ومحاولة تقليد النموذج الإنجليزي واليوم يتحدث ميراوي عن النموذج الدولي.
ما لم يجب عنه ميراوي هو مصير قانون الإطار المتعلق بالتعليم العالي الذي دخل غرفة الإنعاش رغم التأشير الملكي عليه بالمجلس الوزاري منذ 2018، وللأسف كانت أمامنا فرصة حقيقية للنهوض بجامعتنا عبر المزج بين الرؤية الاستراتيجية للتعليم ومخرجات النموذج التنموي، لكن الحسابات السياسية ومزاجية المدبرين وهدر زمن الإصلاح قادتنا إلى أسوأ وضع يمكن أن تكون عاشته الجامعة المغربية منذ عقود.
ما لم يقله ميراوي هو عدم احترام استقلالية الجامعات الذي تحول إلى مجرد حبر على ورق، والحقيقة أنه منذ تفويت تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات للحكومة باقتراح من الوزير المعني، تم ضرب مبدأ الاستقلالية وتشوهت المسؤولية وغلب عليها منطق الزبونية وعدم الاستقرار والحسابات السياسية والعمليات الانتقامية، كما تعرضت الهياكل الجامعية القانونية (مجالس الجامعات ومجالس المؤسسات) لتهميش ممنهج من طرف المركز على حساب ما يسمى بندوة رؤساء الجامعات وشبكة العمداء.
لا يمكن أن تخرج الجامعة المغربية من وضعها الشاحب والمحزن والمخزي دون ثورة حقيقية مبنية على أربع ركائز، الأستاذ الجامعي، المؤسسة الجامعية، النموذج الجامعي الفعال والناجع والكلفة المالية المطلوبة، غير ذلك سيكون ميراوي أو غيره كمن يرسم في الماء أو ينفخ في حبل.