الأوراق التي ستُرفع عنها السرية الحكومية قريبا، في الولايات المتحدة، بشأن العلاقات المغربية- الإيرانية قبل ثورة «الخميني»، من شأنها أن تُقلق الإيرانيين وتُحرج الذين يقودون البلاد ويُساهمون في إذكاء الصراع المفتعل في الصحراء المغربية.
هناك قناعة راسخة لدى حاكمي إيران، اليوم، بشأن تغذية العداء الكامن في الموقف الجزائري تُجاه المغرب. لكن المثير أن العلاقات الجزائرية- الإيرانية لم تكن قائمة أبدا، إلى وقت قريب، بل إنه في الوقت الذي حصلت فيه الجزائر على الاستقلال، مطلع ستينيات القرن الماضي، لم تكن إيران تتوفر على أية معلومات استخباراتية ولا دبلوماسية ولا حتى سياسية عن الجزائر المستقلة. في حين أن العلاقات المغربية- الإيرانية، في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كانت في كامل ألقها بعد نشوء صداقة متينة بين الملك والشاه.
والذين لا يعرفون المكانة السياسية الكبيرة التي كانت لدى الشاه في ميزان القوى العالمية، خلال فترة الستينيات، يكفي أن يعودوا إلى شهادات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين، ومعهم رؤساء الدول الأوروبية الذين كانوا جميعا يتسابقون لكي يحظوا بلقاء مع الشاه وإبرام اتفاقيات مع بلاده.
وقتها كانت إيران تعيش على إيقاع حياة عصرية وازدهار اقتصادي واجتماعي جعلها استثناء حقيقيا في آسيا التي كانت جل دولها غارقة في التخلف والديون.
وبما أن الجزائر كانت تحت جناح الاتحاد السوفياتي، وحدث فيها انقلاب عسكري صامت فور استقلالها، أطاح فيه الهواري بومدين برفيقه في الحياة والسلاح، أحمد بن بلة، فإن كبريات الدول الغربية لم تتحمس لفتح علاقات مع الجزائر المستقلة، وبقيت الدولة في قوقعة مغلقة إلا على الدول التي تغرق مثلها في حكم العسكريين وتنظم فيها منصات إعدام الضباط أكثر مما تقام منصات الخطابة.
لهذا السبب لم تكن هناك أية علاقات دبلوماسية بين الجزائر وإيران. وحتى بعد ثورة الخميني، التي أطاحت بحكم الشاه، لم تُفتح أية قنوات جادة للتواصل بين إيران الإسلامية وبين الجزائر.
وفي الوقت الذي كان فيه المغرب يملك الشجاعة لكي يندد بما وقع في إيران ويعلن الملك الراحل الحسن الثاني دعمه اللامشروط للشاه وأفراد عائلته المطرودين من بلادهم، فإن الجزائريين اكتفوا بالتفرج على أصحاب العمائم وهم يسيطرون على البلاد ويُغلقون المقاهي وقاعات السينما ويغلقون نقابات الفنون ويفرضون مظاهر التدين على كل الإيرانيين ويمنعون بالمطلق تنظيم الحفلات واستيراد الكاميرات وآلات الموسيقى، واجتهدوا في إعادة الدولة قرونا إلى الوراء، ثم تفرغوا، على طريقة «كوريا الشمالية»، لصناعة السلاح وتطوير الصواريخ.
أكثر من هذا أن المغرب فتح حدوده أمام الهاربين من جحيم الثورة الإيرانية، ومنهم مثقفون ودبلوماسيون إيرانيون كانت رؤوسهم مطلوبة لدى رموز الثورة. ولا تزال فرح ديبا، أرملة شاه إيران، تتردد إلى الآن على المغرب، رفقة أبنائها وأحفادها، تقديرا منها للمساندة الكبيرة التي قدمها المغرب للإيرانيين، وليس لأسرة الشاه فقط.
ثم فوجئنا جميعا، خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد تجميد العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران بسبب «المد الشيعي»، بنشوء علاقات دبلوماسية بين إيران والجزائر، وسخاء الإيرانيين المتمثل في توفير طائرات «درون» بدون طيار وصلت إلى يد البوليساريو، عن طريق الجزائريين طبعا.
يحدث هذا في وقت تواجه فيه إيران تهما حقوقية جسيمة تتمثل في إعدام مواطنين إيرانيين في إطار قمع حرية التعبير ووفاة آخرين في مراكز الشرطة تحت التعذيب وخروج مظاهرات يقودها الشباب مطالبين بحقهم في ممارسة حياة مدنية طبيعية.
الواضح، إذن، أن الإيرانيين بدؤوا يتعبون من أصحاب العمائم، لكن الصادم أن هناك من بدؤوا متأخرين في اكتشاف شيء اسمه «الثورة الإيرانية»، يبدو أنها تعيش أنفاسها الأخيرة.
يونس جنوحي