ما أهمية قتل البغدادي؟
محمد عايش
لا يمكن بالمطلق اعتبار مقتل أبو بكر البغدادي نهاية لتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تلاحقه الولايات المتحدة، ومعها تحالف دولي يضم أغلب دول المنطقة، لا بل إن مقتل البغدادي يعيد التذكير بأن اصطياده استغرق أكثر من سبع سنوات، استطاع خلالها الهروب من كافة أجهزة الاستخبارات العالمية بكل ما تملك من طاقات وإمكانات.
مقتل البغدادي يشكل بكل تأكيد ضربة لتنظيم «داعش» وللقوى المسلحة المساندة له، لكن هذه الضربة ليست أكبر حجما من انهيار التنظيم في مراكزه التقليدية شرق سوريا، وغرب العراق قبل سنوات، وانهياره في مدينة الرقة، التي كانت تشكل عاصمته ومركزه الأساس، ورغم تلك الضربة إلا أن التنظيم لم يتلاش، وظل زعيمه البغدادي متواريا عن الأنظار لسنوات طويلة تلت مسلسل الهزائم العسكرية، إياه الذي مني به التنظيم.
في السابق تمكنت الولايات المتحدة من اغتيال أبو مصعب الزرقاوي (كان البغدادي أحد تلاميذه بطبيعة الحال)، وتمكنت أيضا من اصطياد الشيخ أسامة بن لادن، وألقت بجثته في عرض البحر، وبين هذا وذاك اغتال الأمريكيون قائمة طويلة من أعدائهم، لكن واقع الحال أن أمريكا لم تهزم الإرهاب على الأرض، وأن هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة لم تنته، بل أعادت إنتاج نفسها، وكانت في كل مرة تُنتج نسخة أكثر تطرفا من السابق. هزيمة تنظيم «القاعدة» في أفغانستان أدت إلى ظهور تنظيم جديد أكثر تطرفا في العراق بقيادة الزرقاوي، الذي تدرب في معسكرات بن لادن. وهزيمة الزرقاوي ومقتله أدى لاحقا إلى ظهور تنظيم «داعش» الذي هو أكثر تطرفا وجنوحا نحو العنف والإرهاب، ويُلاحق العالم اليوم تنظيم «داعش» الذي يتقهقر في مواقعه التقليدية ومراكزه المعروفة، لكن الخشية هو أن يظهر بصورة أكثر خطورة وأكثر تطرفا في مكان آخر، وهو ما تؤكده التجارب التاريخية وحدث فعلا في السابق.
قتل البغدادي ليس ذا أهمية كبيرة في المعركة ضد الإرهاب، خاصة أن التنظيم تقهقر أصلا في مراكزه وأماكن تجمعه التقليدية ولم يعد يسيطر على المساحات التي كان يتوسع فيها سابقا، كما لم يعد موجودا في الرقة ولا الموصل، ولا أي من المدن الرئيسية المهمة في العراق وسوريا، وهذا كله يدفع إلى الاعتقاد بأن العملية ليست سوى إنجاز معنوي للأمريكيين، خاصة للرئيس ترامب الذي استغل الفرصة وبدأ ينسب هذه البطولة لنفسه، إما عبر تغريدات على «تويتر» أو بواسطة «الإيجاز الصحافي» في البيت الأبيض الذي تحول قصيدة مديح لإنجازات ترامب. كما أنه من المعروف أن عملية قتل البغدادي تأتي لتصب في صالح ترامب انتخابيا، وليظهر بصورة لا تقل عن تلك التي ظهر بها الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أشرف شخصيا على اغتيال بن لادن في باكستان عام 2011.
والخلاصة هنا أن مقتل البغدادي يشكل ضربة لتنظيم «داعش» ولا شك في ذلك، لكن هذه الضربة ليست بالأهمية التي تحاول الإدارة الأمريكية أن تصورها للناخبين وللعالم، كما أن سقوط البغدادي ليس معناه بالمطلق أن الإرهاب سيتبدد ويتلاشى، وإنما الحقيقة أن محاربة الإرهاب لا تستدعي اصطياد رؤوسه فقط، وإنما تحتاج إلى تجفيف الأسباب التي تغذيه، وتعزز وجوده في العالم، ومن المعروف طبعا أن أبرز أسباب الإرهاب والعنف في هذه المنطقة هو غياب الديمقراطية والحريات، وتفشي الأنظمة القمعية التي ترتكب الجرائم اليومية بحق شعوبها المقهورة.
محاربة الإرهاب حقا تستدعي وقف الدعم لأنظمة القمع والقهر والفساد، التي تمارس العنف والإرهاب الحقيقي ضد شعوبها، وتحرمهم من المشاركة السياسية، وتزور الانتخابات وتسرق ثروات البلاد والعباد، وفي الوقت نفسه تتلقى الدعم من الولايات المتحدة، أما عملية قتل البغدادي فلا تزيد عن كونها مجرد استعراض إعلامي يقوم به الرئيس الأمريكي لأغراض انتخابية.