ما أظلم الليل
غادة الصنهاجي
من جعل الليل بهذا السواد؟ وحده قميصها الحريري الأبيض كان يتحدى عتمة المكان والأحلام.. بينما غرقت في ظلام أفكارها في انتظار الصباح.. عندما تأتي الشمس ربما تنقذها من برد الحلكة والوحدة..
كم من ليل عليه أن يعاد؟ عجلة الأيام تدور بسرعة وبلا رحمة، لا تصل إليه ولا يصلها عنه شيء، وحده العمر يتقدم إليها مارا على وجهها عبر أزقة التجاعيد زارعا على جنباتها أشجارا من الشيب.. بينما كانت تقف على الهامش نفسه تناشد الأحلام نفسها التي غدت من كثر ما زارتها في المنام مجرد أوهام تعيث في قلبها الأحزان..
من يخبرها بأسرار الليل؟ كم حكت لهذا المساء عن كلبها الوفي الذي مات مسموما دون أن يودعها، وعن حبيبها الذي دخل القلب وأدخل فيه سهما وتركه مغروسا واستل وعده، وعن شجرة الورد التي لم تنبت سوى الشوك.. لكن المساء لم يحك شيئا وآثر الصمت، اختار أن يبقى على الحياد، أن يكون مجرد شاهد على ما يعيشه الإنسان على أرض تضيق بالنسيان.
كيف لها، هي التي تخاف النسيان، أن تعود إلى ذكراه كلما اشتد الحنين الضامر في الوجدان، وكلما انبثق الفرح قليلا من العيون الدامعة، وكلما نادته يعود إليها الصدى بصوت متردد جبان.. فهل تلام إذا أخطأت في صيد العنوان؟
تحتاج إلى أكثر من ذلك العنوان، وعليها البدء في رسم خارطة جديدة حتى لو اضطرت لتغيير كوكب الأرض وعاشت في كوكب لا يصلح لبني الإنسان..
ويلزمها فأس ومعول ودلاء من الماء.. لتحفر عميقا بئر الجسد الذي نزح من شدة الحرمان.. فمن حول سكينة النفس تحلق غربان لا تنام.. وقلبها الملتاع يوقد الشموع حتى لا تتعثر خفقاته وتموت داخل قميصها الحريري الأبيض وتلبس كفنا أبيض بدل فستان عرس أبيض.. ترى ما الذي يعاكس سواد الليالي؟ ما الذي يرفع الغمام عاليا في سمائه فلا يرحم أرضا بسقيها ولا نهرا بدفعه لبحر مشتاق لعذوبة الماء..؟ من يفتح لها النافذة ليحمل لها الكثير من الهواء والقليل من رائحة إليها تشتاق، عله وضع من عطره ووقف على شرفته وصاح قلبه مناديا: أنا أيضا إليها مشتاق… يااااااه ما أظلم الليل وما أطوله وما أضعفها من وراء شباكه! أمن يد غير يد الرياح تداعب جسدها المكالب على التمني؟.. ليته يعلم أنها تكره الليل بقدر ما أحبته يوما في أحضانه.