ماما أفريكا
حسن البصري
حقق المنتخب المغربي لكرة القدم للاعبين المحليين انتصارا مستحقا في دورة «الشان» على نظيره الزامبي بثلاثية، وقبل ذلك فاز على أوغندا بخماسية وعلى الطوغو بهدف يتيم، واكتفى بالتعادل في مواجهته لرواندا، كل هذه النتائج على المستطيل الأخضر لا معنى لها، إذا لم تتعزز بانتصارات سياسية في تجمع يضم العديد من الدول التي ما زالت تصدق خرافة خصوم وحدتنا الترابية.
لقد كانت زامبيا إلى عهد قريب «كتفا» يستند إليه البوليساريو، قبل أن تنجح الدبلوماسية في تغيير اتجاهها وإقناعها بحقيقة القضية، فتبادل المغاربة والزامبيون افتتاح القنصليات بعد طول جفاء. وكانت أوغندا واحدة من قلاع العداء، قبل أن تكتشف زيف دفوعات خصوم وحدتنا فتستيقظ من غفوتها وتنفض رداءها من غبار الوهم.
قال صواليح هيمد وينقو، وهو معارض كيني مختص في القانون الدولي، إن التجمعات الرياضية في إفريقيا أكثر نفعا من عشرات المؤتمرات السياسية المليئة بالمجاملات ودسائس الكواليس، وأضاف أن بطولة في كرة القدم أشد وقعا على المواطن الإفريقي من برامج الاتحاد الإفريقي المؤجلة الدفع.
انتبه المغرب إلى أهمية الرياضة فأعلن القطيعة مع سياسة الكرسي الشاغر، وأصر على الحضور في كل المنافسات الرياضية حتى ولو تعلق الأمر بمباراة ودية في دولة غارقة في وحل المعارك، بل إن تظاهرة من حجم «الشان» تعد فرصة للقيام بحملة واسعة النطاق من أجل ترشيح المغرب للمكتب التنفيذي لـ«الفيفا»، بعد أن ظل حلمنا لا يتجاوز رئاسة اتحاد شمال إفريقيا بالتناوب.
بموازاة مع جهود اللاعبين على رقعة الملعب تواصل الدبلوماسية المغربية رص صفوف الأشقاء الليبيين، أملا في تهدئة الأوضاع السياسية وإغلاق المعابر أمام الجزائر، ففي الصخيرات يبحث ممثلو الفصائل عن مخرج لأزمتهم عن أنصاف حلول لوقف الاقتتال في بلد تمزقه الأحقاد، قبل أن يعود المفاوضون إلى قواعدهم وينضمون إلى كتائبهم ويصرون على التوقيع على الوئام الوطني بالبارود والدخان.
في الكاميرون حيث يوجد المنتخب الوطني المحلي، تعمل الدبلوماسية المغربية على ضرب سرب عصافير بحجر واحد، فقد تجندت جماهير كاميرونية لتشجيع المنتخب المغربي وحملت الأعلام المغربية، رفقة جالية مغربية تقيم في بلد روجي ميلا وحياتو.
أينما حل المنتخب المغربي هناك مغربي يحرك بركة الوطنية الراكدة، يجند الجماهير ويوزع الأعلام ويلقن منبت الأحرار. في جوهانسبورغ أحد المعاقل المشبعة بالفكر الانفصالي، يناضل عبد السلام حبيب الله، رئيس الجالية المغربية، من أجل كسر شوكة مؤيدي أطروحة البوليساريو. ظل الرجل ينبه المسؤولين إلى أهمية مباريات ظاهرها رياضي وباطنها سياسي ضد منتخبات لا تربطها بالمغرب علاقات دبلوماسية، بسبب اعترافها بكيان البوليساريو. لطالما منينا النفس بانتصارات الكرة لتعويض هزائم السياسة، لإيماننا بأن الفرق والمنتخبات الرياضية يمكنها أن تلعب دورا دبلوماسيا أقوى من سفارات وقنصليات تختزل مهمتها في منح التأشيرات.
في بلد مريم ماكيبا، أم القارة الإفريقية ورمز النضال ضد الميز العنصري، ونيلسون مانديلا، عميد المناضلين، كان المنتخب المغربي والأندية المغربية يعيدون ترتيب الأوراق، وينشرون بانتصاراتهم الدعوة إلى الوئام والقطع مع تفريخ الكيانات الصغيرة باسم تقرير المصير. فقد شاءت القرعة أن تواجه منتخباتنا بلدانا انقطعت معها صلة الرحم الدبلوماسي، منتخبات دول لا نعثر فيها على سفير أو قنصل عام أو علم وطني يرفرف فوق بناية.
في مثل هذه التظاهرات المشبعة بالرطوبة السياسية، تصبح الانتصارات الميدانية أشبه بغارة بدون بيان عسكري، في التجمعات الرياضية القارية شيء واحد يجب الانتباه إليه، «الخرائط»، هناك يمكن لخريطة مبتورة أن تهزم المنتخب وتجعله مهزوز الوجدان. لذا سنكون أحوج إلى دبلوماسية الخرائط لمكافحة ومقاومة نشر الجغرافيا المبتورة أو المشوهة أو المخلة بوحدتنا الوطنية، وللمزيد من اليقظة على المواقع الرسمية للتظاهرات الرياضية ووكالات الأسفار العالمية والإعلام الأجنبي.
اليوم يتبين أن مدرجات الملاعب لا تقل أهمية في تنمية الوعي السياسي عن مدرجات الكليات والمؤتمرات.