شوف تشوف

الرئيسية

ماكرون يستقيل

شامة

في الليلة التي خرج فيها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الفرنسيين في محاولة لإخماد غضبهم، انتشر فيديو بالفرنسية يقول إن «ماكرون استقال». حقق الفيديو انتشارا كبيرا، رغم أن من يفتحه ويشاهده، بإمكانه أن ينتبه إلى أن الفيديو يحمل عنوان «ماكرون يستقيل»، لكن محتوى الفيديو هو مجرد مقتطف من نشرة إخبارية بثت على قناة فرنسية، وتنقل خطاب ماكرون.
ما الذي جعل مثل هذا الفيديو ينتشر بين الفرنسيين، في الوقت الذي حرص المغاربة على نشر تعليق واحد على صفحاتهم الفيسبوكية «مائة أورو ليست هي مائة درهم»، في مقارنة بين ما قام به رئيس فرنسا، وما قامت به الحكومة المغربية.
فرق كبير بين الطريقة التي يتعامل بها الفرنسيون مع ما يتم تداوله من أخبار عن بلدهم على الشبكات الاجتماعية، وبين رد فعل المغاربة، سواء كانوا أولئك الذين يعادون فرنسا المستعمر القديم، أو أولئك الذين تسكنهم فرنسا ولا يسكنهم المغرب. لكن، بعيدا عن هؤلاء وأولئك، ما يحدث في فرنسا العالم الافتراضي جدير بالاهتمام، ويذكرنا كثيرا بما سبق أولى نسمات الربيع الأوروبي، نفس الطريقة، نفس الخطة، نفس العبارات، ونفس المكان… الشبكات الاجتماعية، وهو ما يعبر عن شيء واحد فقط، أن المخطط واحد، وأن المتفاعلين يتصرفون بنفس الطريقة، سواء كانوا عربا أو فرنسيين، مما يثبت أمرا وحيدا، وهو أن الجماهير تمتلك السيكولوجية نفسها، وأنه لا فرق بين مواطن فرنسي ومواطن مغربي، الاثنان لهما نفس الاهتمامات، عمل براتب جيد، وقدرة شرائية مناسبة. ربما لهذا، الفرنسي والمغربي، والعربي بصفة عامة، لا يهتمون كثيرا بأبعاد الاحتجاجات، بقدر ما يهتمون بتحقيق أولوياتهم، وضمان أمنهم الاقتصادي، أما البقية فهي بالنسبة لهم مجرد تفاصيل، ولا يمكن لومهم على هذا. فالشعوب بطبيعتها تقاد ولا تقود، وهذا ما لا تزال الشعوب تجهله حتى وهي تطالب صناع القرار بأن يأخذوها بعين الاعتبار.
المشكلة اليوم في خبر استقالة ماكرون، ليست فقط في أنه واحد من الأخبار الكاذبة التي انتشرت بسرعة، وقام الفرنسيون والمغاربة بتداولها كخبر صحيح، حتى وهم يطلعون على محتوى الفيديو. المشكلة اليوم هي أن صحيفة «التايمز» البريطانية نشرت تقريرا تقول فيه إن موجة احتجاجات السترات الصفراء الفرنسية هي مجرد فقاعة نشأت على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال مجموعة من الحسابات الوهمية التي تحرص على نشر الأكاذيب، التي تجعل الخوف والغضب يدبان في قلوب الفرنسيين، ويخرجانهم إلى الشارع الذي بدأ في أولى أيامه بمواطنين محتجين، وها هو اليوم ينتهي بمواطنين غاضبين همهم الوحيد هو تكسير كل ما يقع بين أيديهم.
صحيفة «التايمز» تقول إن حسابات وهمية تعمل لنشر الغضب في العالم الافتراضي الفرنسي، في خضمّ ما تعيشه فرنسا من احتجاجات، وتضيف أن «مئات الحسابات المتصلة بروسيا تعمل على تضخيم الاحتجاجات التي تشهدها فرنسا بشكل مبالغ به في أغلب الأحيان».
أكثر من 200 حسابٍ على منصة «تويتر» نشرت نحو 1600 تغريدة يومياً منذ بدء الحراك في فرنسا، حسب تقرير آخر، أصدره خبراء يعملون لصالح شركة «نيو نولدج» الأمريكية المتخصصة في الأمن الرقمي. التقرير يقول إن مشغلي الحسابات يستخدمون صوراً لمحتجين مصابين بجروح من أجل دعم قصة «عنف الشرطة الفرنسية». التقرير الأمريكي يقول، أيضا، إن «تضخيم الانقسام الفرنسي هو الهدف الروسي المنشود، خصوصاً لناحية تصوير السياسيين الفرنسيين كنخبة منفصلة تماماً عن واقع الطبقة العاملة». وينهي التقرير بقوله إن مجموعة من الحسابات روسية المنشأ تحاول إثارة نعرات وتوترات اثنية في فرنسا، على سبيل المثال أن بعض هذه الحسابات تنشر خبراً كاذباً مفاده أنه سيكون بإمكان الجزائريين أن يأتوا إلى فرنسا لتلقي العلاج المجاني قريباً.
بين صحيفة «التايمز» البريطانية، وتقرير شركة «نيو نولدج» الأمريكية، يبدو واضحا أن مخطط أمريكا لتقسيم أوروبا الذي بدأ باليونان ذات سنة، ثم فصل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، واليوم نشر الفوضى بفرنسا، هو مخطط يسير في طريقه التي رسمت له منذ زمن، وما توجيه الاتهام لروسيا إلا تضليل آخر في حرب الأكاذيب التي ستستعر كثيرا في السنوات القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى