بيار عقيقي
يشبه إيلون ماسك «أمريكا الجديدة»، تلك التي تجدد نفسها كل عقد أو اثنين، وكأنها مولودة حديثا بين الأمم. تطلعه إلى غزو الفضاء، قبل سيطرته على «تويتر»، يحاكي «ثورات» أمريكية دفينة، برزت في هوليوود بشكل خاص، وفي انتشار ثقافة الرأسمالية الاستهلاكية. غزت هذه «الثورات» العالم أسرع من غزو الجيوش الأمريكية لعشرات البلاد، بعد النصف الثاني من القرن العشرين. هي نفسها الثورات أخرجت أفرادا ومجموعات معارضة لها، وكأنه كُتب أن أمريكا لا تُحَارَب إلا من أمريكا، والباقي كومبارس أو معارضون لمفهوم وجودية هذه الدولة، من دون قدرة على مواجهتها.
إيلون ماسك يجسد أمريكية الثورات التي أخضعت وسائل الإعلام، ثم الفضاء الإلكتروني. تريد تسجيل موقف ضد أمريكا؟ لن يحصل الأمر إلا عبر منصة إلكترونية أمريكية. تريد شراء معدات عسكرية لمواجهة أمريكا في حرب عصابات ما؟ ستشتريها بالدولار الأمريكي. تريد نبذ النفوذ الأمريكي في العالم؟ لن تستخدم وسيلة تواصل لربط شبكات مقاوماتية، إلا باستخدام أنظمة أمريكية. وهنا لا يمكن القول: «إنني أستخدم سلاحها ضدها»، بل عليك الاقتناع بأن السيطرة الأمريكية على الفضاء الإلكتروني لا تسمح لك بتجاوز ما يمكنه أن يهدد أمنها فعلا.
هل يجعل من ذلك كله «أمريكا أمة عظيمة»، أو يدفعك إلى السعي خلف «الحلم الأمريكي»؟ طبعا لا، ليس المطلوب من أي فرد أو مجتمع التماهي مع آخرين، فقط لأنك تظن أنهم «أفضل منك». لأمريكا مساوئ لا تعد ولا تُحصى، وسلبيات عانت وتعاني منها دول وشعوب، والعنصرية في الداخل الأمريكي أكبر بكثير مما يتخيل أي إنسان خارج الولايات المتحدة، غير أن «الواقعية السياسية» الأمريكية المبنية حصرا على المصالح، بإيحاء من رأسمالية استهلاكية، تكرس هيمنة هذه البلاد على الكوكب حتى إشعار آخر. إيلون ماسك سيقود قطارا «ثوريا» جديدا، وسنخضع لشروطه على «تويتر»، كما خضعت «ناسا» لشركته الفضائية الخاصة. أبدى الرجل رغبته في ترك مساحة الحرية على «تويتر»، بل وزيادتها تحت عنوان «حرية التعبير»، قبل التراجع عنها لاحقا، لأسباب لن تتضح إلا مع الزمن. سينساق كثر خلف «الجديد على تويتر»، وسنرسخ بنقرة انتصار ثورة أمريكية جديدة. وبعدها، سنراقب ثوريا آخر بعد عقد أو أقل، ينافس إيلون ماسك أو يزاحمه، وسننقسم إلى معسكرات مؤيدة وأخرى معارضة، فيما قطار «الثورات» الأمريكية يواصل سيره نحو عالم يتفق كثر على وصفه بـ«الجديد».
السؤال الأهم: ما الذي يريده ماسك؟ شخص مثله يظهر عدم رغبته في شيء، ويسعى إلى كسب كل شيء، حتى إنه عبر مرة عن رؤيته السياسية بأنه «نصف يميني ونصف يساري»، رغم أنه نشر تغريدة فحواها أنه «بات أقرب إلى اليمين». وكأنه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لكن بنسخة أكثر أمريكية. ربما رحلة البحث عن «شيء ما» بالنسبة إلى ماسك قد تبدأ بتحوله إلى «ناخب» رئيسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024، لما لـ«تويتر» من تأثير في جماهير الناخبين الشبان، ولم لا يتوج رحلته الزاخرة بالضجيج بإعلان ترشحه للرئاسة الأمريكية في عام 2024. لن يكون الأمر مفاجئا إذا فعلها، فالرئيس السابق دونالد ترامب أتى من العدم السياسي مثله، وجوبه من «الإستابلشمنت» وتحدث بلغة الريف الأمريكي، ونجح في إسقاط خصومه في الحزب الجمهوري ثم الديمقراطي، والبقية للتاريخ.