مارفين : حُلمي سنة 1951 كان إجراء حوار صحافي مع الملك الراحل محمد الخامس
يونس جنوحي
تحمست «مارفين» كثيرا لحضور حفلات العشاء التي تتم دعوتها إليها من طرف شخصيات مغربية، حيث يكون فرنسيون من بين الحضور، وأحيانا يكون الحفل مغربيا خالصا بدون أي حضور أجنبي
يصعب فعلا أن تستحضر الصحافية «مارفين هاو» كل التفاصيل المرتبطة ببداية اشتغالها في مجال الصحافة، والإذاعة تحديدا، خصوصا بعد مضي قرابة سبعة عقود على بعض الأحداث الواردة في هذه المقابلات الحصرية معها.
لكن ذاكرتها الصلبة لا تزال تحتفظ بعدد من الصور التي تؤرخ لبداية مسارها الصحافي، وتخصصها في قضايا النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
عندما انطلق مسارها الصحافي في مجال الراديو في العاصمة الرباط، كانت سنة 1951 فارقة في حياتها، إذ إلى جانب أنها حققت حلمها الكبير في العمل مراسلة صحافية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها أيضا استطاعت من الرباط أن تؤسس لبداية اشتغالها على قضايا المرأة الأمريكية والمغربية، من خلال الصداقات التي راكمتها في المغرب.
كانت «مارفين هاو» جد معجبة بشخصية الأميرة لالة عائشة، ابنة الملك الراحل محمد الخامس. تقول لـ«الأخبار» متحدثة عن هذا الموضوع: «بما أن إدارة «راديو ماروك» قررت ألا أحتك بأغلب المغاربة وألا أتطرق للوضع المغربي على الأثير، فقد كان ينتابني فضول كبير في التعرف على شخصية السلطان المغربي، كما أن أكبر طموحاتي كان أن أجري حوارا صحافيا معه، حيث كان وقتها نادرا ما يمنح لقاءات صحافية للإعلام الدولي. وبفضل أصدقائي في السفارة الأمريكية وقتها بالرباط، الذين قدموني إلى الشابتين زينب وشادية الراشد، اللتان كانتا قريبتين للمحيط الملكي، استطعت الاقتراب من هذا الحلم.
كانت زينب وأختها شادية على درجة كبيرة من العلم والتربية، وأصبحنا أصدقاء مقربين جدا، ومن خلالهما جمعت معلومات كثيرة عن شخصية الملك الراحل محمد الخامس وعلمت منهما أنه كان أكبر داعم لقضية المرأة المغربية وأنه أعطى المثل بابنته الأميرة لالة عائشة التي كانت في عمر الرابعة عشرة، رائدة لقضية المرأة المغربية».
تقول «مارفين هاو» إن هذه المعلومات ساعدتها لكتابة أولى المواد الصحافية التي أرسلتها للمجلات الأمريكية عن الوضع في المغرب، وأنها تناولت موضوع النساء المغربيات وكيف أنهن بدأن الانخراط في الحياة العامة المغربية تحت الحماية الفرنسية.
هذه المقالات، كما تشرح «مارفين هاو» في هذا اللقاء، جرّت عليها انتقاد الإدارة في «راديو ماروك» رغم أنها لم تنتقد فيها السياسة الفرنسية الرسمية في المغرب. تشرح هذا الأمر بالقول إن المقيم العام الفرنسي في الرباط لم يكن يريد أن يتم تناول الشأن العام في المغرب في وسيلة إعلامية أجنبية، أمريكية على وجه الخصوص، ما لم يتم التأشير عليها من طرف إدارته. هذا الوضع لم يكن يعجب «مارفين هاو» التي بدأت تنشئ صداقات مع شخصيات مغربية في الرباط، بينهم رجال أعمال وزوجاتهم، حيث كانت تستقي منهم الآراء حول الوضع العام في المغرب، وتقارن بين موقف بعض الشبان المغاربة الاستقلاليين الذين درسوا في الخارج، وبين نخبة أخرى من المغاربة الذين اندمجوا في الحياة الفرنسية.
تضيف مارفين هاو أنها كانت تتحمس كثيرا لحضور حفلات العشاء التي تتم دعوتها إليها من طرف شخصيات مغربية، حيث يكون فرنسيون من بين الحضور، وأحيانا يكون الحفل مغربيا خالصا بدون أي حضور أجنبي. وتعلق على الأمر بالقول إن المغاربة وقتها كانوا يعرفون برامج «راديو ماروك» لكنهم كانوا غير مهتمين بمضمون ساعات البث باللغة الإنجليزية الموجه أساسا للموظفين الأمريكيين في الرباط والقواعد العسكرية الأمريكية في المغرب، وهو ما كان يُملي عليها واجب التعريف بما تقوم به ومحاولة تقريب الضيوف من مهمتها في الرباط.
في الوقت الذي كانت فيه «مارفين هاو» منهمكة في العمل بالرباط، كانت تتلقى دعوات بين الفينة والأخرى، خصوصا خلال نهايات الأسبوع، لكي تحضر إلى منازل بعض أعيان الرباط في مدينة فاس، وهكذا فإنها راكمت ذكريات كثيرة في هذه المدينة التي حلت فيها ضيفة على عائلات مغربية من مختلف الطبقات، إذ إنها سنة 1951، خلال سعيها لتحقيق حلمها في إجراء حوار صحافي للراديو مع الملك الراحل محمد الخامس، ذهبت إلى مدينة فاس بالتزامن مع زيارة ملكية لها، لكي تحاول الاقتراب من أجواء الأنشطة الملكية في تلك السنة التي بدأ فيها التوتر بين الإقامة العامة الفرنسية والقصر الملكي.
في فاس، كانت «مارفين هاو» تتعمق في معرفة المغرب وتواصل كتابة مقالاتها الصحافية مستغلة هامش الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كتبت عن قصة رجل قالت إنه كان أهمّ من السفير الأمريكي وأنه كان يعرّف المغاربة بالثقافة الأمريكية أهم من أي مسؤول سياسي.
يتعلق الأمر بممثل شركة «كوكا كولا» في المغرب، المشروب العالمي الأكثر شهرة وقتها في العالم وممثل الثقافة الأمريكية. خلال تناولها لهذا الموضوع، صادفت «مارفين هاو» طرائف كثيرة من بينها طريقته الفريدة في مصالحة المغاربة مع هذا المشروب الأمريكي، بعد نشر أعضاء من حزب الاستقلال في فاس لنسخ مصورة من مقال صحافي في جريدة مصرية زعمت أن هذا المشروب مُحرم بفتوى من جامع الأزهر، وهو ما جعل «مارفين هاو» تهتم بهذا الموضوع.