ماذا يقع في الجزائر؟
يونس جنوحي
حتى لو أحضر الجزائريون كل مواطنيهم في فرنسا وليس سفيرهم فقط، للتشاور، فإن التصريحات التي نقلتها الصحافة الفرنسية عن إيمانويل ماكرون لن يتم التراجع عنها أو الاعتذار لجنرالات الجزائر بشأنها. ببساطة لأنها معطيات صحيحة. وما دام القصر الرئاسي الفرنسي لم يخرج بأي توضيح أو استدراك فإن مسألة سحب السفير للتشاور تبقى مشكلة فرعية في هذه القضية.
أولا، النظام الجزائري لديه مشاكل حقيقية مع فاعلين سياسيين فرنسيين، تتعلق بدعم منظمات مسلحة من جنوب الصحراء. وقدم صحافيون أجانب أدلة دامغة من خلال لقاءات وصور مع زعماء تنظيمات محسوبة على «داعش» أكدوا من خلالها أنهم كانوا يتحركون بحرية في جنوب الصحراء ويعبرون من الجزائر نحو ليبيا بتنسيق مع محسوبين على البوليساريو.
ثم تأتي مسألة رفض الجزائر استعادة مواطنيها الذين صدرت في حقهم أحكام بمغادرة التراب الفرنسي، إذ أن فرنسا تغاضت طوال سنوات عن آلاف الجزائريين الذين يقيمون فوق أرضها ورفضوا المغادرة بعد استنفاذهم كل محاولات الاندماج. ويوجد اليوم في الجزائر تيار سياسي وحقوقي يشجع الجزائريين على البقاء في فرنسا بدعوى أنها سرقت بلادهم طيلة عقود، وهم مطالبون الآن باستعادة ما سرقته فرنسا من أجدادهم. وهذا منطق غير سليم نهائيا ويزيد من تدمير حياة هؤلاء الناس. إذ أن الاسترداد الحقيقي لما سرقته فرنسا من أجدادهم وأجداد سكان القارة الإفريقية هو بناء هذه الدول وجعلها مكانا يليق بأبنائها.
وللإشارة، هذه أول مرة يعترف فيها رئيس فرنسي منذ 1963، أن رئيسا جزائريا يعيش وضعية حصار من طرف الجيش. إذ أن تجارب القصر الرئاسي الجزائري منذ افتتاحه إلى اليوم لم تشهد أي تجربة لرئيس مستقل عن الجيش، منذ أحمد بن بلة إلى عبد المجيد تبون.
كما أن المشترك بين عدد كبير من المسؤولين المدنيين الجزائريين، أن أصولهم مغربية. فأحمد بن بلة تعود أصوله إلى نواحي مدينة مراكش. بينما عبد العزيز بوتفليقة ينحدر من مدينة وجدة.
لماذا لم يملك القصر الجمهوري الرئاسي الفرنسي الشجاعة لكي يقول إن الجزائر اختطفها العسكر منذ أن تم الانقلاب على أحمد بن بلة وسجنه واستيلاء الهواري بومدين على السلطة؟ الدولة الوحيدة التي استنكرت ذلك الفعل ودعت إلى تحرير أحمد بن بلة من السجن هي المغرب.
واليوم، يصعب بل يستحيل الفصل في أصول بعض المسؤولين الجزائريين الكبار لأن أصولهم المغربية والجزائرية اختلطت تماما.
كما هو شأن جزائريين جاؤوا إلى المغرب منذ 1912 عندما كانت فرنسا تحتاج مترجمين بعد معاهدة الحماية، حيث استقرت عائلات جزائرية توزعت بين فاس والرباط والجديدة وأصبحوا مغاربة بالتقادم منذ ذلك التاريخ ومنهم من أصبحوا موظفين مخزنيين عهدت إليهم الدولة بمهام كبيرة، مثل بن غبريط الذي تولى ترجمة عقد الحماية، ومترجمين وموظفين آخرين عملوا في الدواوين الوزارية بالقصر الملكي وصاهروا عائلات مخزنية كبيرة مثل عائلة الخطيب وأصبحوا مغاربة.
أما في الجزائر، فلا يمكن نهائيا لكل الأكاديميين الجزائريين أن يأتوا بدليل واحد على أن دولة الجزائر توجد في أرشيف وثائق. كل الإشارات تؤكد أن الاسم كان يطلق على المدينة التي كانت في محطات تاريخية كثيرة، حتى بعد الفتوحات الإسلامية، تشير فقط إلى نفوذ الدول التي كانت عواصمها توجد في المغرب، مثل تارودانت ومراكش وفاس ومكناس.
لماذا غضب الجزائريون من كلام الرئيس الفرنسي؟ كان عليهم أن يتأملوا نتيجة محاولات إنقاذ الحراك الذي خاضوه بقوة قبل عامين، ليجدوا أنفسهم أمام رئيس بالكاد يمارس صلاحياته الدستورية على قسم مطبخ القصر الرئاسي، حيث يملك سلطة الاختيار ما بين «الشوربة» واللحم بالمرق، الذي ليس طبقا جزائريا بالمناسبة.
أما أمور الدولة فالذين يقررون فيها يوجدون في مكان آخر أكثر حرارة هذه الأيام.