ماذا يحدثُ في «تايوان»؟
أنظار العالم كله، رغم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، اتجهت صوب «تايوان»، منذ الأزمة الأخيرة التي تلت زيارة نانسي بيلوسي، إذ إن الصين اعتبرت زيارة وفد الكونغرس الأمريكي تدخلا في شؤونها الداخلية.
بداية الأسبوع الماضي انتُخب «شي جينبينغ» أمينا عاما للحزب الشيوعي الحاكم، وحصل على فترة ثالثة.
وسائل إعلام دولية بينها «فري بريس جورنال»، المتخصص في السياسات الدولية، نقلت أنه «من المتوقع ألا تكون الأيام المقبلة سهلة بالنسبة لتايوان» على خلفية التجديد لزعيم الحزب الشيوعي.
أما «جيوبوليتيكا» فكانت سباقة إلى نقل تصريح للزعيم «شي» قال فيه إنه سيحمي المصالح العامة للأمة الصينية، ويتخذ خطوات حازمة لمعارضة استقلال تايوان وتعزيز توحيد البلاد. واعتبر أن القضية يجب أن يحلها الصينيون مؤكدا مواصلة ما أسماه الكفاح من أجل إعادة التوحيد بأقصى الجهود، معلنا أنه لن يتخلى أبدا عن استخدام القوة، والاحتفاظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة.
هل فعلا تلوح الصين أمام العالم بحرب في الحدود مع تايوان؟ إذا صدقت هذه «النبوءة»، التي اعتبرها محللون أمريكيون مجرد «تسخينات» من زعيم سياسي تم التجديد له سياسيا، فإننا سنكون فعلا أمام حرب تعادل في «بؤسها» الحرب الروسية الأوكرانية. إذ رغم اختلاف السياق، فإن فتيل الحرب واحد، وهو الصراع حول ضم منطقة إلى البلاد، بخلفيات اقتصادية وجيو استراتيجية.
ليست هذه المرة الأولى التي يدعو فيها الأمين العام للحزب الشيوعي الحاكم إلى ضم تايوان معتبرا الملف سياديا ومُلحا، بل سبق له أيضا في سنة 2017، في سياق دولي مختلف تماما عن السياق الذي نعيشه اليوم، القول «إن إعادة التوحيد الوطني الكامل شرط لا مفر منه لتحقيق التجديد الكبير للشعب الصيني». وكرر الكلام نفسه، بتغيير في العبارات فقط، سنة 2019، أسابيع قبل انتشار وباء «كورونا».
الحزب الشيوعي في الصين يدعم فكرة دولة واحدة ونظامَي حُكم. بينما الغرب، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر «تايوان» من المعاقل الضرورية لمواجهة المعسكر القديم الذي بقي صامدا رغم سقوط الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثين سنة.
تنظر الصين إلى «تايوان» بالمنظار نفسه الذي تنظر به إلى «هونغ كونغ». وحتى الصحافيون الدوليون الأجانب الذين سبق لهم دخول المنطقة لإعداد «تحقيقات واستطلاعات» صحافية لصالح منابر دولية تُعتبر مستقلة عن البيت الأبيض، بل وتفجر بين الفينة والأخرى ملفات ثقيلة تُزعج الرئاسة الأمريكية، لم يقدموا إلى الآن ما يفيد بنجاعة الفكرة الصينية أو أي مؤشرات لتطبيقها على الأرض ومدى تجاوب سكان «تايوان» معها.
بينما الصينيون يؤكدون أنهم لا يحتاجون أساسا إلى دعم في هذا الباب، معتبرين أن الملف سيادي يتعلق بوحدة الصين.
التايوانيون معروفون بالصناعات الدقيقة، وهي صمام الأمان لاقتصاد المستقبل. العالم لم يعد يحتاج إلى من يصنع الأسياخ الحديدية، على حد قول الأمريكيين، بل هناك حاجة كبيرة اليوم إلى مصانع «النانو تكنولوجي». حيث يصل سعر رقاقة متطورة تضم برامج حواسيب إلى آلاف الدولارات رغم أن حجمها لا يتجاوز ظفر الإصبع.
نقلت الـ«جيوبوليتيكا» المتخصصة أن تقارير مؤكدة كشفت أن الرئيس الصيني أصدر بالفعل أوامر لجيش التحرير الشعبي الصيني بالبقاء على استعداد لشن هجوم على جزيرة تايوان بحلول العام 2027.
كل هذا يعني أن الأنظار كلها ستتجه صوب «تايوان». هذه الدولة التي توجد، بلغة الأرقام، في مركز ريادي اقتصادي مهم، مهيمنة على مجال صناعة الرقائق الدقيقة عبر العالم، والتي تُستعمل في المجال الأمني والمواصلات.
وبمجرد ما غادرت طائرة رئيسة مجلس النواب الأمريكي المجال الجوي لدولة «تايوان» في غشت الماضي، حتى شرعت الصين، دائما بحسب التقارير الدولية، في شن هجمات إلكترونية منظمة وبرمجة تدريبات عسكرية مكثفة حول تايوان.
فهل سنشهد حربا أخرى، خصوصا وأن الحكومة الصينية وعدت مجموعة من الدول بتقديم مساعدات واستثمارات شريطة أن تدعمها في قضية «عزل تايوان» عن العالم؟
يونس جنوحي