شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ماذا يجري في السودان؟

بقلم: خالص جلبي

 

مع كتابة هذه الأسطر، يتناطح جنرالان في السودان «برهان» بدون برهان، يتربع على ظهر جيش عرمرم، والمدعو دقلو «حميدتي» بدون حمد، يحرك ستين ألفا من أشباه الأميين المسلحين. كلاهما يدعي أنه الأعلى، وهي قصة مكررة عبر التاريخ لكثير من الأمم البائسة. فليس هناك ألذ من السلطة، فلا تقترب منها المتعة الجنسية ولا تضاهيها ألذ الفواكه، وسرها هو الألوهية.

وكما يقول أبو حامد الغزالي، فإن آخر ما يخرج من قلوب الصالحين هو حب السلطة. ويعلل برتراند راسل هذه الظاهرة فيقول، ليس أحد منا عنده مانع أن يكون إلها أو نبيا يؤسس دينا جديدا، ولكنه لا يستطيع؛ فمتعة الألوهية متعة لا تقترب منها أي متعة، والسلطة هي كذلك. والديكتاتور يحول كل البلد بما فيه من بشر إلى ملك شخصي يتصرف فيهم كيف يشاء. واعتمد فيلم «جوراسيك بارك» على فكرة الاستنساخ الجسدي، فأمكن استنهاض الديناصور من عالم الغيب. وما فعله «كيم إيل سونغ» في كوريا الشمالية الشيء نفسه، فقد استنسخ السلطة بما هو ضد الدستور وضد تعاليم الماركسية وضد تعاليم الحزب وضد قيام الجمهورية. وهكذا تم استنساخ طاغية جديد، هو ابن الوحش الأول أخذ اسم ولقب: (أمل وحبيب الجماهير)، بعد أن كان الأب (قائد الجماهير).

ويبدو أن هذه الحمى الشوكية قد وصلت إلى بلاد العربان. وذهل الناس عندما تعرض الأسد الأب وهو يخطب إلى نوبة ترنح فيها، وكاد أن يسقط بتقدم السن، وليس عنده نائب في السلطة، وهو إجراء روتيني في كل بلد يحترم نفسه. ولكن الحمى الكورية الكوبية أصبحت وباء، انتشر في بقايا الجيوب الستالينية من بلاد العروبة. وأصبح الثوريون ملوكا جددا عكس اتجاه التاريخ، وسبحان من يخرج الميت من الحي.

ومن أغرب ما جاء في كتاب «الحمى 42» للكاتب التونسي «الصافي سعيد»، قيامه باستعراض أكثر من أربعين شخصية عالمية ظهرت فيها حمى السلطة في «جوراسيك بارك» السلطة، حيث تهز الأرض ديناصورات مريعة من بني الإنسان. ومما يورد من أخبار عجيبة، أن الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران في مرض الموت لم يستسلم، بل ذهب إلى الكاتب المسيحي «جان غيتون» وكان وقتها يبلغ من العمر 93 عاما، فأراد أن يفهم منه سر التعمير، وهل هناك مهرب من الموت؟ فقال له: حدثني عن الموت.. وماذا بعده؟ فشرح له ما يعرف؛ فما زال يكرر عليه السؤال، حتى قال له: يا سيادة الرئيس هذا كل ما عندي. ويعلق صاحبنا غيتون، فيقول: لقد كان أمامي رجل يعيش ظروفا صعبة، ويريد أن يقوم بمهامه حتى آخر لحظة. وبكلمة ثانية الإصرار على الرئاسة حتى أقصى فترة ممكنة وبأي ثمن، كما هو الحال مع «بايدن» الذي يريد أن يحكم ولو من القبر، ومن قبله «ترامب» الذي لم يغادر القصر إلا ومعه أربع جثث. ومما عرفت أن ميتران أحضر عشيق ابنته السرية، وهو مغربي، فسأله عن منكر ونكير وعذاب القبر.. فالرجل في رقبته قتلى أكثر من شعر رأسه الذي تناثر.

ولم يعرف عن «عبد الناصر»، الضابط الأرعن الذي قاد العرب إلى كارثة الكوارث، حبه لجمع الثروات، ولكن «حسن العشماوي» ينقل عنه أنه قال يوما: أريد أن أحرك الناس، فيقوموا ويجلسوا بكبسة زر. قال له العشماوي: إنها إذاً الديكتاتورية. فأنكر، ولكنه افتتح عهدا جهنميا من حكم المخابرات وما زال أناس يزعقون باسمه حتى اليوم، وأكثرهم من غير المصريين. وانتقلت أساليبه مثل (الجرثوم) من أغاني «أم كلثوم» إلى كل العالم العربي. وهذا المرض الذكوري أصيبت به النساء، مثل عدوى فيروس الكوفيد من الرجال، فـ«جيانغ»، الممثلة الرقاصة التي هام بها «ماو تسي تونغ» عشقا كزوجة رابعة، لقبت بالحية الصفراء، ولو نجحت في معركة الوراثة لأعدمت خمسين ألفا من الخصوم. وكانت زعيمة عصابة الأربعة، وهم «جيانج كينغ» زوجة ماو تسي تونغ الأخيرة، والمقربون لها «تشانغ تشون تشياو» و«ياو ون يوان» و«وانغ هونغ ون». وسيطرت عصابة الأربعة بشكل فعال على أجهزة السلطة في الحزب الشيوعي الصيني، خلال المراحل الأخيرة من الثورة الثقافية، فأمسك بهم الرفاق من الحزب نفسه وقادوهم إلى المقصلة. وكادت «أنديرا غاندي» أن تلقي قنبلة نووية على باكستان، واعتقلت في ليلة واحدة 5000 صحافي وسياسي، وأغلقت 4000 صحيفة، وهدمت معبدا للسيخ، وقتلت ألف رجل دين في يوم واحد. أما «غولدا مائير»، فقالت إنها استطاعت في ستة أيام وسبع ليال حسوما أن تجعل إسرائيل أكبر بخمس مرات. ولم يكن «شاه إيران» ليرد طلبا للمدللة «فرح ديبا». ودجنت «جيهان»، زوجة السادات، بكل سيادة وهي البريطانية أب الفلاحين، فأخذته حمى السلطة ليعتقل الآلاف من كل الاتجاهات فيجن، ليغتاله مجنون آخر. وجعلت «أميلدا» زوجها ماركوس الحذاء رقم ألف وواحد؛ فأنشأت أسطورة ألف حذاء وحذاء. وبعد رحيل «وسيلة» بورقيبة من القصر لم يبق فيه أكثر من ستة أشهر. وأما «ميرا ماركوفيتش» فقالت عن زوجها «سلوبودان» قبل أن يصبح في محكمة لاهاي لمجرمي الحرب، إنها كانت تضع له الأولاد والأفكار معا. وأما «ألكسندرا موسوليني»، حفيدة الطاغية، فالجماهير متعلقة بها، ولها شفتان مكتنزتان تقولان بدون نطق. و«صدام» بدأ مثل ثعبان، ولكنه عجز عن ابتلاع الكويت أو تقيؤها، ولو تقدم خطوة إلى الأمام أو الخلف لتغيرت المعطيات، كما يقول ذو الرأس الأسود «شفارتس كوبف schwartzkopf». وكان «بومبيدو» إذا تذكر الحكم، نشط من مرضه. ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه بعد طعنه، إذا أرادوا أن يوقظوه من سكرات الموت، أذّنوا في أذنيه، فهذا هو الفرق بين الناس. وحاليا نرى قرني الشيطان في السودان يتقاتلان مثل كبشين أملحين، بين «برهان» بدون برهان، و«دقلوـ حميدتي» بدون حمد. (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين). وفي الإنجيل طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.

 

نافذة:   

الحمى الكورية الكوبية أصبحت وباء انتشر في بقايا الجيوب الستالينية من بلاد العروبة وأصبح الثوريون ملوكا جددا عكس اتجاه التاريخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى