شوف تشوف

الرأي

ماذا لو ركب وزيرنا دراجة هوائية؟

لا يوجد تفسير لظاهرة امتطاء الوزراء للدراجات الهوائية. نتحدث طبعا عن الوزراء الأجانب وليس أبناء البلد الذين بالكاد خلقوا ألفة مع المقاعد الجلدية للسيارة الوزارية.
قبل وزير العدل الفرنسية، كان هناك وزراء أجانب سباقون إلى امتطاء الدراجات الهوائية واستعمالها كأداة التنقل الرئيسية بين منازلهم والمكتب. المصورون بدورهم يركزون على مثل هذه الأمور، وربما كانوا يعتقدون أن السياسي عموما غير قادر على خلق التوازن والسير فوق الأرض على عجلتين فقط لا غير.
لطالما اعتبرت الدراجة الهوائية في القديم وسيلة نقل للفقراء. عند اختراعها كانت وسيلة من وسائل اللعب، ولم يكن يستعملها الذين كانوا قادرين على طلبها وأداء ثمنها، إلا في الحدائق الخلفية لقصورهم. وسرعان ما أصبح السير على عجلتين هواية للفقراء أيضا، بعد أن تم تصنيع نماذج معدنية، وأصبحت الدراجة الهوائية تتمتع بشعبية كبيرة عندما بدأت فرنسا في تنظيم سباقها السنوي الشهير، وظهر أبطال خارقون يستطيعون التسابق على عجلتين والقيام بجولة كاملة حول فرنسا. عند ذلك ابتعد الأغنياء عموما عن امتطاء الدراجات، وأصبحوا ينظرون إليها على أنها وسيلة نقل الأشقياء، لأن من يملك المال، لن يتعب ركبتيه في التنقل بين مدينتين.
رغبة السياسي في الاقتراب من الفقر مجددا والعزف على وتره لمخاطبة الفقراء ليس في بلده فقط وإنما حول العالم، أوحت له بالعودة إلى ركوب الدراجة والظهور بها كوسيلة نقل أساسية بين مقر عمله الوزاري وسكناه، خصوصا بعد الأزمة العالمية خلال السنوات الأخيرة. لماذا اقتصرت هذه الموضة على الوزراء فحسب، لماذا لم يقم المحافظون والمسؤولون عن المؤسسات العمومية والأبناك الكبيرة ولوبيات الاقتصاد العالمي باللجوء إلى الدراجة الهوائية كوسيلة نقل يومية؟ لا بد أن المصورين سيأتون لالتقاط الصور وترويجها في الصفحات الأولى لكبريات الجرائد العالمية لكن هؤلاء لن يستفيدوا من أي شعبية تخدمهم في المستقبل.
تستحق وزيرة العدل الفرنسية تحية كبيرة على شجاعتها السياسية عندما رمت استقالتها حتى لا يحسب عليها التاريخ تمرير قانون لا تتفق معه. الدراجة الهوائية في حالة وزيرة العدل الفرنسية ليست إلا تكملة للصورة الجميلة التي أرادت تركها لدى الفرنسيين لتذكرهم بأن السياسي ليس حربائيا بالضرورة، وأن كرسي الوزارة ليس وثيرا بالقدر الذي يبدو عليه. كان بإمكانها أن تستمر في امتطاء دراجتها لتشعر فقراء فرنسا أنها تتضامن معهم، وتمرر قانون إسقاط الجنسية في نفس الوقت، وهكذا ستنتهي مجرد سياسية حمقاء تركب دراجة هوائية.
في المغرب، يا حسرة، ليس لدينا وزراء هذه الحالة ولا تلك. لا يمكن أبدا أن ترى وزيرا مغربيا يمتطي دراجة هوائية، ولا يمكن أيضا، تحت أي ظرف من الظروف، أن تشاهد مسؤولا مغربيا يركب دراجة هوائية من مقر إدارته إلى محل سكناه.
سيكون من المضحك أن ترى رئيس الحكومة، سواء الحالي أو السابق، أو حتى المقبل، وهو يصارع رجليه ليضبط توازنه بيديه اللتين ترتعدان فوق المقود.. هل تعرفون لماذا سيتردد الوزير أو المسؤول المغربي قبل أن يركب الدراجة الهوائية في بلد الأزمة سيرا على نهج الوزراء الأجانب؟ لأن الوزير المغربي ومدير المؤسسة العمومية المغربي، لا يأتي إلى منصبه إلا ليركب السيارة الفخمة!
كيف تريد من مسؤول في بلد لا يركز أناسه إلا على المظاهر الفارغة أن يركب دراجة هوائية؟ المغاربة يعانون مرضا خطيرا يتعلق بالفراغ الداخلي والمسارات الخالية من الإنجازات الحقيقية. لذلك يعمدون دائما إلى الاختباء خلف الهاتف الذكي والسيارة الرباعية الدفع والبذلة المكوية وربطة العنق «الوردية». لا يمكن أبدا لواحد من هؤلاء أن يتخلى عن السيارة ويركب الدراجة الهوائية حتى لو ارتبط أمر ركوبها بالنجاح الكاسح في الانتخابات المقبلة.
لا تظنوا أبدا أن موقف وزيرة العدل الفرنسية نابع من ركوبها فوق درّاجة هوائية، فالأخيرة تبقى مجرد وسيلة نقل شعبية. على مسؤولينا المغاربة أن يتعلموا أولا كيف يتحكمون في توازنهم، لأنه التوازن أمر مطلوب قبل ركوب الدراجة. تخيلوا لو أن جميع الوزراء استيقظوا في اليوم الموالي وقرروا ركوب دراجات هوائية في الرباط بدل سياراتهم الوزارية السوداء. لا بد أن المنظر سيكون مضحكا، لأننا متيقنون أنهم سيسقطون أكثر من مرة، وسيصلون إلى مكاتبهم بركب «محكوكة». لكي تقود درّاجة يجب أن توازن بين عقلك وركبتيك.. وهذا أمر للأسف لا يتقنه أي سياسي أو مسؤول مغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى