ماذا بعد حوار السكن والتعمير؟
أطلقت الحكومة الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، بعدما شكل هذا القطاع «الخطير» تجسيدا واقعيا لكل مظاهر الفشل، في السياسات العمومية، ومعقلا للفساد والزبونية وتحكم اللوبيات وخرق القانون، بتواطؤ مع من يفترض فيهم حماية القانون وتلاعب المنتخبين.
وبعد أزيد من عشر سنوات من إطلاق الوعود الكاذبة بشأن تحويل مدننا إلى فضاءات للعيش بكرامة، يحق لنا الإقرار وبما لا يدع مجالا للشك، بأننا فشلنا حقا في خلق نواة لمجالات حضرية منسجمة ومتضامنة ومنتجة، وفشلنا في جعل سياسة المدينة المنتظرة ببلادنا أداة فعالة وفاعلة لتقليص الإقصاء الاجتماعي والفوارق الترابية، وتوفير خدمات القرب، وتقوية التماسك الحضري في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وبلوغ الجودة المشهدية والمعمارية لفضاءاتنا أو على مستوى التدبير، سيما في ما يخص ثقل المساطر وطول الآجال، وتعدد المتدخلين وتضارب مصالحهم، وتقادم النصوص القانونية.
ومن هنا يحق لنا أن نتساءل: ماذا حققنا في الوصول إلى هدف مدن بدون صفيح، الذي التهم 49 ألف هكتار من العقار العمومي، وصرفت من أجله 1000 مليار سنتيم، في حين ما زالت 150 ألف أسرة لم تستفد منه بعد؟ هل قضت السياسات والقرارات الحكومية على تهديد المباني الآيلة للسقوط التي تتحول مع كل فصل شتاء، ومع أول تساقطات مطرية، إلى زلازل صغيرة تسقط البنايات الآيلة للسقوط فوق رؤوس قاطنيها؟ ماذا حققنا في السكن الاجتماعي الذي تحول إلى مشروع فضائحي، وفضاء للاغتناء على حساب الفقير؟ ماذا حقق نظام وحدة المدينة التي أوكلت مهمة تسييرها إلى سياسيين منتخبين، تطرح مجموعة من الأسئلة حول مدى نجاح هؤلاء في تدبير الأمور بمدننا؟
هذه أسئلة قليلة ضمن مئات الأسئلة التي تحاصرنا من كل حدب وصوب، وقد كان الملك محمد السادس واضحا، حينما خصص أحد خطاباته الموجهة إلى البرلمان، لتقريع المنتخبين المحليين ومسيري المدن الكبرى والمسؤولين، بسبب كونهم يغلبون الحصيلة السياسية والمصالح الشخصية على حساب المشاريع الكبرى التي ينتظرها سكان المدن، وللأسف بعد أربع سنوات على الخطاب الملكي ما زال المسؤولون بالمدن المعينون منهم والمنتخبون خارج التغطية، ويكفي النظر إلى مدينة تامسنا التي بدأت مشروعا ملكيا طموحا، قبل أن يحولها جشع اللوبيات وحروب المنتخبين وفشل المسؤولين إلى فضاء للرعي الجائر والأسواق العشوائية والبنايات الآيلة للسقوط، ومشاريع غير مكتملة وأراض غير مبنية وأحياء قصدير وسط المدينة، والمصيبة أن لا أحد يحرك سيف المحاسبة والمساءلة تجاه هذا النموذج الصارخ في الفشل الذريع.
ما ينبغي أن تستوعبه الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري، باعتبارها المسؤولة عن القطاع، والحكومة برمتها، أن المغاربة سئموا من الحوارات الوطنية والجهوية التي لا تؤتي أكلها، فهم لم ينسوا بعد ولا يريدون إعادة سيناريو الحوار الوطني حول السكن وسياسة المدينة، الذي أطلقته حكومة عبد الإله بنكيران في أبريل 2012، قبل أن يتحول إلى حفلة للفلكلور الحكومي. المغاربة يريدون من الحكومة والقضاء شيئا واحد هو الأفعال لا الأقوال، يريدون القضاء على تركة الماضي في تدبير فضاءاتنا المعيشية، وسط الأحياء والمدن، يريدون إشرافا حقيقيا بمسؤولين نزهاء على الدعم العمومي الموجه إلى السكن الاجتماعي الكريم حتى يصل إلى مستحقيه، يريدون الانتهاء من صداع السكن غير اللائق والمباني الآيلة للسقوط بالدار البيضاء وفاس ومدن أخرى، يريدون قضاء حازما مع المنتخبين ورؤساء المجالس الذين يتاجرون في العقارات وتفويض التعمير، يريدون من وزارة الداخلية الصرامة تجاه رجال السلطة، الذين يغضون الطرف عن خروقات في البناء والتعمير.
هكذا فقط يمكن أن نعيد لسياسة السكن والتعمير بعض الثقة المفقودة، والتي ساهم في فقدها وزراء هذا القطاع، طيلة العشرين سنة الأخيرة.