مات بوتفليقة المولودية في حداد
حسن البصري
بين الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة والمولودية قصة حب. عشق الولد المولودية، حين كان يداعب الكرة في الملاعب المتربة لمدينة وجدة، وكان يمني النفس بحمل قميصه، وهو اللاعب المشاكس في الدفاع الأيسر. وحين عاد إلى بلاده أصبح عاشقا لمولودية الجزائر، بمعنى أنه «مولودي» هنا وهناك.
ليس بوتفليقة هو الوحيد الذي تدرب مع المولودية الوجدية على يد المدرب الأسطوري بن براهيم، فقد سبقه الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة إلى عشق «ليمسيو»، وكان يطوي المسافات بين مغنية ووجدة على دراجته الهوائية للمشاركة في تداريب هذا الفريق.
جمع حب الكرة بين بوتفليقة وبن بلة، وحين أصبح هذا الأخير رئيسا للجزائر «المستقلة»، عين صديقه عبد العزيز وزيرا للرياضة وجعلها وزارة سيادة. ومن فرط حب بن بلة للكرة، انتهى حكمه بانقلاب عسكري وهو يتابع مباراة في كرة القدم.
اختار بوتفليقة مولودية الجزائر وجعل منه عشقا بديلا لمولودية وجدة، وأعلن نفسه ولهانا متيما بحب «الشناوة»، لهذا ظل رئيس الفريق يساند «خلود» عبد العزيز في الحكم ويساند أطروحة التحنيط، داعيا لعهدة خامسة. بالمقابل ظل الرجل صامدا ضد عاديات العشق ومات فداء للمحبوب، عازبا فاستحق زغرودة قبل دفن جثمانه.
ولأنه تخرج من ملاعب الكرة، فإن بوتفليقة راهن على المستديرة حين كان يقود شؤون البلاد، لذا لم يفاجئ وزير التضامن السابق جمال ولد عباس، الذي يواجه تهما تتعلق بالفساد أدخلته سجن الحراش، الرأي العام حين أفصح خلال المحاكمة عن كيفية استغلال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لشعبية كرة القدم في البلاد.
قال ولد عباس خلال المحاكمة: «إن الحكومة السابقة استعملت كرة القدم والمنتخب الجزائري، كأداة لاحتواء غضب الشعب ومطالبه الاجتماعية»، متهما الرئيس عبد العزيز بإرسال طائرات عسكرية محملة بآلاف المشجعين في مباريات المنتخب. لحسن الحظ أن الرئيس السابق كان يعيش عزلته الرتيبة في إقامته الجبرية، التي تفتقد لـ«ريزو» الحياة ولم يسمع اتهامات وزيره، بينما ردد شقيقه سعيد بوتفليقة: «خير جواب ولد عباس السكوت».
يقول لحسن بروكسي في كتابه «أنا والبصري والحسن الثاني»، إن وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري قد أرسله إلى الجزائر في نهاية غشت 1975، في مهمة خاصة رفقة البعثة الرياضية المغربية المشاركة في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، في مناخ سياسي تجثم عليه غيوم القلق بين البلدين، لأن بوتفليقة الذي كان وزيرا للخارجية لا يفرق بين تظاهرة رياضية ومؤتمر سياسي.
لهذا اختلطت الرياضة بالديبلوماسية في عهد بوتفليقة، فبادر حين كان وزيرا أو عندما تولى الرئاسة، إلى وضع العديد من نجوم الرياضة في مناصب حكومية، وعندما وقفوا أمامه لأداء اليمين الدستورية أقسموا على جعل الهجوم خير وسيلة للدفاع.
كان بوتفليقة يتابع نتائج مباريات الدوري الجزائري أكثر من متابعة الوضع السياسي في بلاده، وكان حريصا على جعل السلطة في خدمة الكرة، بدل أن يجعلها في خدمة الشعب، ولا يتردد في تأجيل اجتماعات سياسية مهمة إلى ما بعد انتهاء مباريات ريال مدريد التي عشقها، حين كان زين الدين زيدان نجم الفريق الملكي، وهو اللاعب الجزائري الأصول الذي وشحه بوتفليقة بوسام رفيع.
حاول بوتفليقة محاكاة الحسن الثاني، في إلمامه بالكرة وتفاصيلها، كان الرئيس الجزائري السابق يعلم أن ملك المغرب موسوعة كروية يجيد قراءة الخصوم بنفس نباهة مدرب عركته الملاعب. لذا قال بوتفليقة خلال استقبال منتخب بلاده، بعد موقعة أم درمان، بنبرة صارمة: «انتصاركم في مباراة دولية أفضل من نصر سياسي».
سيذكر التاريخ أن بوتفليقة كان يحلم بحمل قميص مولودية وجدة، فانتهى به الأمر عاشقا لمولودية الجزائر، وسنعرف بعد رحيل العمر بأن القول المأثور: «ما تبدل صكعك غير بما صكع منو» ما زال ساري المفعول في علاقتنا بالجيران.