مات «البغدادي» كالعادة
يونس جنوحي
مات البغدادي. خبر رديء كان موضوع العالم بأسره في اليومين الماضيين. أول ما يتبادر إلى الذهن هو جثة هذا الرجل الذي يبقى هو المسؤول الأول عن تشرد مئات آلاف الأسر التي هاجر أبناؤها بشكل سري للقتال في سوريا والعراق. وبسبب تنظيمه، مهما اختلف المحللون بخصوص مصادر دعمه والجهات التي صنعته، قُتل عدد كبير من الأبرياء باسم الدين وباسم الثورات.
سبق أن تم تداول أخبار عن موت أبو بكر البغدادي، الإرهابي الأكثر شهرة في العالم، وكلها تم نفيها خلال السنوات الخمس الأخيرة. لكن هذه المرة، بدا الرئيس الأمريكي دونالد «ترامب» أكثر سعادة ويقينا وهو يزف إلى العالم هذا الخبر.
كم من «بغدادي» سنحتاج، لكي تُجفف منابع الإرهاب حول العالم؟ هذا السؤال طرحه محررون ومحللون في كبريات الصحف الأمريكية والبريطانية (الصف الأول لمحاربة الإرهاب منذ شتنبر 2001) ولم يضعوا له جوابا موحدا كباقي تحليلات محللي الدول المتخلفة التي تنحاز إلى أنظمتها. بل كان هناك تباين وتلميح، وأحيانا قليلة تصريح مباشر بإمكانية وقوف دول كبرى وراء صناعة وتمويل منظمات إرهابية.
الأمريكيون العقلاء لم ينسوا يوما أن أسامة بن لادن كان نجما بالنسبة للأمريكيين أثناء حربهم مع السوفيات في منطقة التماس الروسي مع أفغانستان والشيشان.. إلخ.. وكان وقتها كبار جنرالات الجيش الأمريكي، أي خلال السبعينيات، يراهنون على مجهودات ابن لادن على الأرض لكي يُضعف السوفيات. وعندما انتهت الحرب وشكرت أمريكا الذين تحالفوا معها تركت وراءها رجلا أكثر قوة أسس في ما بعدُ تنظيم القاعدة ووقع ما وقع.
وعندما كانت أمريكا تسعى خلفه، تم إنفاق ملايين الدولارات واستعملت أمريكا أسطولا كاملا من المراقبة الجوية بالأقمار الصناعية، وأنفقت أموالا طائلة على المخبرين والمتعاونين وكبار ضباط الـCIA، لكي تصل إلى المنزل الذي كان يقطنه ابن لادن قبل تنفيذ عملية محاصرته وحمل جثته ميتا عبر طائرة عسكرية صغيرة بدون علم الحكومة الأفغانية ولا جهازها العسكري. إلى أن أعلن «أوباما» الخبر مؤكدا للعالم أن ابن لادن أصبح من الماضي.
مع البغدادي اختلف الأمر كثيرا، رغم أن الجرائم التي كان وراءها كانت أكثر وحشية وعنفا مما اقترفه تنظيم القاعدة في 15 سنة تقريبا. لقد بدت «القاعدة»، فرقة من الهواة أمام ما كان يقوم به البغدادي والذين يعلنون انتسابهم إليه. حتى أن «داعش» أصبحت أكثر شهرة من كبريات أندية كرة القدم في العالم.
سوف يحتاج العالم مستقبلا إلى موت عدد من الدكتاتوريين صانعي الجماعات المسلحة. يوجدون في إفريقيا الوسطى وفي الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى من العالم لا تخطر على بال، ويستغلون الانتماء العرقي والاثني لعدد من المجموعات لشحنهم بأفكار تصنع منهم قنابل بشرية، تحارب القوى الكبرى عبر العالم وتقلق أمنها القومي.
لقد صرّح البغدادي أكثر من مرة ونقلت عنه منابر كبرى، ما مفاده أنه كان يحس بأنه نجح كثيرا في ما كان يسعى إليه، عندما يرى كغيره من الناس أن الدول الكبرى عبر العالم تعلن تأهبا أمنيا كبيرا كلما ارتبط الأمر بتجمع بشري لإحياء عيد وطني أو للاحتفال. وهو ما يعني أن حكومات الدول الكبرى رسخت لدى مواطنيها، أنهم ضحايا عمل إرهابي من الممكن أن يقع في أي لحظة، وهذا هو الأخطر.
سواء مات البغدادي أو بقي، فإن فلسفة الإرهاب حول العالم باقية وتتمدد. صُنعت خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتطورت الآن بفضل وسائل الاتصال، ليصبح العالم أكثر جنونا من السابق، ومكانا غير مناسب للعيش على الإطلاق.