نظمت فدرالية رابطة حقوق النساء بالرباط مائدة مستديرة تحت عنوان: «من أجل منظومة جنائية تكرس الحقوق والحريات وتلغي كل أشكال التمييز ضد النساء».
واستهلت أشغال اللقاء بكلمة سميرة موحيا عن الفدرالية، أكدت فيها أن المنظمة أطلقت حملة تحت شعار «باركا من محاكم التفتيش.. بغيت قانون يحمي حريتي وحقوقي»، تهدف من ورائها إلى إسقاط الفصول المجرّمة للحريات الفردية من القانون الجنائي والتي أصبحت «متجاوزة ولا تليق بمغرب 2019»، داعية إلى سن «قانون جنائي جديد ملائم للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ولدستور 2011، وحام لحقوق النساء».
من جهته، تناول الباحث أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب، في مداخلته قراءة في مشروع تعديل القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي، حيث اعتبر أن التعديلات المقترحة لم تأخذ بعين الاعتبار مراجعة عدد من التعريفات بهدف ملاءمتها مع المعايير الدولية، خاصة تعريف الاغتصاب، كما أنها لم تلب مطلب ضرورة تسهيل ولوج النساء إلى العدالة وسبل إنصافهن، داعيا إلى ضرورة التعجيل بإحداث صندوق ائتماني لتغطية التعويضات المقررة للنساء ضحايا العنف في حالة كون الجناة معسرين، أو تعذر الوصول إلى تشخيص هويتهم، على غرار صندوق ضمان حوادث السير. من جهتها، قالت المحامية فتيحة شتاتو إن المغربيات «تُنتهك حريتهن على الأرض ويتعرضن لأشكال شتى وكثيرة من العنف التشريعي، وكأن حقوقنا لا بد أن تُجهض»، مضيفة: «حان الوقت لتغيير القانون الجنائي الحالي، وإقرار منظومة جنائية عصرية تضمن ممارسة الحريات الفردية بكل أمان واطمئنان، وتضع حدا لكل أشكال التمييز ضد النساء».
وقدم سعيد الكحل، الباحث المتخصص في قضايا الإسلام السياسي، مداخلة حول موضوع «قراءة فقهية في الإجهاض»، قال فيها: «إنّ الفقه الإسلامي لم يجرم الإجهاض، حيث أباحه الحنابلة والشافعية والحنفية؛ بينما حرمه جزء من فقهاء المذهب المالكي، الذي يتبعه المغرب، وأحله جزء منهم». وتساءل: «إذا كان ثلاثة أئمة يبيحون الإجهاض، فلماذا لا نأخذ برأيهم، كما أخذنا برأي المذهب الحنفي في مسألة ولاية المرأة على نفسها، في مدونة الأسرة؟».
في السياق نفسه قدمت فاطمة المغناوي عن اتحاد العمل النسائي مداخلة تناولت فيها مضامين المذكرة، التي قدمتها الجمعية رفقة عدد من المنظمات النسائية حول «حق النساء في إيقاف الحمل غير المرغوب فيه»، والتي تستند على مستخلصات العمل الميداني، الذي رصدت فيه هذه المنظمات العواقب الوخيمة المترتبة عن تجريم الإجهاض على حياة النساء، وأحيانا الطفلات القاصرات، وعلى صحتهن الجسدية والنفسية وروابطهن العائلية، وشروط عيشهن وأمنهن وتوازنهن الاجتماعي، مما يعتبر عنفا وتمييزا وانتهاكا لحقوق النساء. وأضافت المتدخلة أن الإجهاض لا يعتبر وسيلة لتنظيم الأسرة، وإنما هو قرار استثنائي ومؤلم تضطر المرأة إلى اتخاذه في حالة وقوع حمل غير مرغوب فيه، لاعتبارات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو نفسية أو بسبب شروط وقوعه، كما في حالة الاغتصاب، وهو حق ينبغي أن تكفل له الدولة الشروط الصحية الآمنة لتحقيقه. أما المتدخلة كريمة نادر فقد سلطت الضوء على الدينامية التي أُطلقت قبل أيام قليلة تحت شعار «خارجون عن القانون»، والتي انخرط فيها العديد من الحقوقيين والإعلاميين والمثقفين. واستهلتها بالتأكيد على أن «معركة الحريات الفردية بالمغرب ليست معركة نخبوية»، وإنما هي تتويج لنقاش بدأ قبل سنوات، وذلك للتعبير عن «إدانة الفصول التي تشكل انتهاكات فاضحة وواضحة للحميمية ولحرية الجسد، سواء بالنسبة إلى النساء أو الرجال»، كما «تكرس الفوارق الطبقية والتمييز بينهما»، مشيرة في السياق إلى أن المتضررين من تلك الفصول هم شبان وشابات الفئات الاجتماعية الضعيفة، كون «الفئات التي تتوفر على الإمكانيات لا تجد نفسها عرضة للملاحقة في أي وقت».
من جهته، أكد الباحث أحمد عصيد، في تعليق له بشأن التعديلات المقترحة بخصوص القانون الجنائي، على ضرورة استحضار ثلاث نقاط رئيسية.
أولها، يكمن في «الاعتراف بالمواطن الفرد»، لأن واقع الحال أن «الفرد نذيبه في الجماعة وفي قيم الجماعة»، والمرأة بدورها لا ينظر إليها «كفرد مواطن» ولذلك فإن «جسد المرأة ليس ملكها، بل إنه وسيلة لإنجاب الأطفال ولإشباع متعة الرجل».
النقطة الثانية تتمثل في مفهوم الحرية، فالناس يعتقدون أن «الحرية تعني أنك حر في حدود تقاليد المجتمع، بينما المفهوم الحقيقي هو أنك حر طالما لا تتعدى على حرية غيرك».
أما ثالث نقطة فتتعلق بـ«مكانة الدين في الدولة»، حيث أبرز المتدخل أن «الدين يستعمل كذريعة لهدر الحقوق والحريات».
المشاركون في أشغال هذه المائدة المستديرة أجمعوا على ضرورة إعادة النظر في عدد من مضامين مشروع تعديل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية لتحقيق الملاءمة مع دستور 2011، والمعايير الدولية ذات الصلة.