محمد اليوبي
تعيش مؤسسة الأعمال الاجتماعية للأشغال العمومية على صفيح ساخن، بعد حرمان عدد كبير من الموظفين الصغار من برامج السكن، مقابل استفادة كبار المسؤولين بالوزارة، ما أثار موجة من الاحتقان داخل القطاعات التابعة لوزارتي التجهيز والماء، والنقل واللوجيستيك.
وأفادت المصادر بأن المؤسسة التي يوجد على رأسها مدير ديوان الوزير السابق عبد القادر اعمارة، الذي تربطه به علاقة مصاهرة، كانت موضوع تجاوزات خطيرة وقفت عليها المفتشية العامة لوزارة التجهيز والنقل في عدة مهام افتحاص أنجزت سنة 2012، وكذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حيث لم تنجز هذه المؤسسة ولو مشروعا سكنيا يذكر منذ ذلك التاريخ باستثناء منح شقق فاخرة لكبار المسؤولين في حي الرياض غير بعيد عن مقر المديرية العامة للطيران المدني.
وأكدت المصادر أن هذه المؤسسة أصبحت في خدمة كبار المسؤولين دون غيرهم من الموظفين، حيث استفادوا بلا حساب من عدة شقق سكنية في كل أنحاء المغرب وبقع أرضية وقروض استثنائية بمبالغ ضخمة لم يتم استردادها إلى حد الآن، والدليل على ذلك، تضيف المصادر، أنه منذ شهر نونبر تقدم صغار الموظفين بطلبات للحصول على منحة هزيلة لاقتناء السكن، لكن لحدود اليوم لم تتم تسوية ملفاتهم والبت فيها حيث لا تزال في رفوف المؤسسة.
ويتساءل الموظفون الذين يقتطع من أجورهم كل شهر عن دور المؤسسة والسر الكامن وراء جمودها رغم تلقيها أكثر من 18 مليون درهم كمساعدة من ميزانية كل المديريات التابعة لوزارة التجهيز والنقل، أي أكثر من 20 مديرية (100 مليون درهم سنويا) دون احتساب مداخيل انخراطات الموظفين، وهو ما فجر غضبا كبيرا في صفوف المنخرطين الذين يطالبون الوزير نزار بركة بالتدخل عاجلا لتسريع الحصول على منحة السكن وافتحاص هذه المؤسسة مع إعادة توجيه عملها لتكون في خدمة جميع الموظفين دون تمييز.
وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن فضح الاختلالات الخطيرة التي تعرفها هذه المؤسسة، مسجلا استفادة الجمعية من عدة أملاك عقارية مصدرها الملك الخاص للدولة، ما مكنها من إنجاز مشاريع سكنية، وتم اقتناء هذه الأملاك العقارية بأثمنة مناسبة جدا لتحقيق هدف تسهيل تمليك السكن لفائدة الأعضاء، لكن مع مرور الوقت، يضيف تقرير المجلس، «أصبحت المؤسسة مستثمرا عقاريا ينجز مشاريع سكنية في جميع الأقاليم وبجميع المستويات وخاصة لفائدة كبار المسؤولين». وكشف التقرير تمليك ثلاث شقق بالمشروع السكني «رياض 9» بالرباط للرئيس السابق واثنين من أقاربه، وأشار التقرير إلى أنه «خلال العشر سنوات الأخيرة تم توجيه مشاريع السكن المنجزة من طرف المؤسسة على نوع السكن الممتاز وبلغ هذا النوع من السكن 15 مشروعا أفضت إلى بناء 828 قطعة سكنية استفاد منها الميسورون فقط».
وأفادت مصادر نقابية بأن موظفي الوزارة اكتشفوا تفويت شقق فاخرة توجد بأحياء راقية بالرباط إلى مسؤولين كبار داخل الوزارة، بينهم أُطر يعملون بمؤسسة الأعمال الاجتماعية للأشغال العمومية، وذلك في خرق سافر لمقتضيات المادة الأولى من ميثاق السكن الذي يضع نظريا جميع المنخرطين على قدم المساواة من حيث الاستفادة. وأفادت المصادر ذاتها بأن من بين المستفيدين كذلك مستشارة وزير سابق، رغم أنها غير تابعة للقطاع، لكنها استفادت من شقة فاخرة في حي الرياض، في حين تم إقصاء منخرطين منذ 30 سنة ويؤدون واجبات الانخراط بشكل منتظم.
وحسب تقرير أنجزته نقابة الاتحاد المغربي للشغل، فإن الجمعية تحولت إلى مؤسسة نخبوية تقدم خدماتها لكبار الموظفين والمديرين. وأعلن مكتب نقابة موظفي وموظفات وزارة التجهيز والنقل عن استنكاره للطريقة التي تصر بها المؤسسة على مواصلة التنكر لحقوق المنخرطين، مشيرا إلى المجزرة الاجتماعية التي اقترفتها المؤسسة حينما عمدت بطريقة سرية إلى تفويت جل الشقق خلال الفترة ما قبل 2016 إلى مسؤولين داخل الوزارة بعضهم لا يتوفرون على الشروط القانونية للاستفادة، والتستر على لائحة المستفيدين من ست (06) شقق شاغرة بمشروع الرياض 9 بالرباط.
وأكدت النقابة أن هذا المشروع النخبوي يتنافى ومفهوم التضامن ويكرس فكرة الاستبعاد الاجتماعي، ويهدد بالتالي بتقويض وحدة المؤسسة لأنه لا يعترف بالحقوق الأساسية للمنخرط البسيط، بل يعمل على نشر التفرقة وعدم المساواة والانتقائية التي تنتج بالضرورة أحياء سكنية مغلقة لا يقدر على الاستقرار فيها إلا قلة من المحظوظين. وأضاف التقرير «إنها الأعمال الاجتماعية بنكهة الاستبعاد الاجتماعي الطبقي الذي يقنن انفصال الناجحين اقتصاديا وإداريا في تنافٍ تام مع مفهوم وحدة المصير»، وأوضح التقرير أن الشروط التعجيزية المفروضة على المنخرطين، تؤكد أن أغلبيتهم مستبعدون من هذا النوع من المشاريع بصفة مستمرة لا عرضية، ما يفضي إلى تجمعات سكنية تكرس العزلة الاجتماعية الطوعية بالنسبة للكبار، والقهرية بالنسبة للفئات الأخرى الواقعة تحت رحمتهم.