شوف تشوف

الرأي

مأزق الانتخابات الفلسطينية

نادية عصام حرحش

أذكر عشرات المرات التي كنت أدعو فيها إلى الانتخابات. في كل مرة تجري انتخابات إسرائيلية أو إقليمية أو دولية. كم مرة مرت عنا انتخابات العالم من حولنا وكنا بحاجة إلى أن نخوض التجربة، حتى صارت التجربة مغامرة لا جزءا بديهيا من سعينا لبناء وطن.
كم تبدو كلمة وطن غريبة في ظل تصارع المواطن من أجل اقتسام ما يستطيع من اقتسام الوطن. فبات الوطن مفهوما، وتاه بين ألفاظنا وأحلامنا واحتياجاتنا وحاجتنا وطموحنا.
لا يمكن وصف ما يجري على الساحة الفلسطينية، منذ إعلان الرئيس الفلسطيني موعد إجراء انتخابات تشريعية، إلا بالمهم. وقد يكون الأهم في ما تسطره هذه الفترة من حياتنا كشعب في العقود الثلاثة الأخيرة.
نحن بلا شك دخلنا مرحلة جديدة من تشكيل حالتنا الوطنية. حالة بالتأكيد صعبة، إن لم تكن الأصعب. ولكن هذا هو الحال الفلسطيني، منذ صارت كلمة فلسطين هي قضية وجودنا. لا أعرف إن كان هناك وقت مر علينا بلا صعاب ومخاض مثقل بالمستحيل. فحالنا اليوم يبدو الأصعب، إلا أنه بقدر صعوبة ما كان يبدو في كل مرة مستحيلا من قبل.
نحتاج إلى ما يجري من إفرازات تطفح من دمامل الجسد الفلسطيني الملتهب الدامي. لأن ما كنا نعيشه لا يشكل إلا حالة تسمم، كادت تبتر كل ما تبقى لنا من أعضاء تشكلنا كجسد وطن حي. ولكن، هل نحن مستعدون بالفعل لإجراء الانتخابات؟
بين الحاجة الملحة إلى الانتخابات وبين استعدادنا لها، تكمن خمس عشرة سنة من الفراغ الذي راكم فيها دمامل مسرطنة. استئصالها أو علاجها أو فقؤها يبقى بحاجة إلى تعقل وتفهم ووعي، بما سيترتب على هذه العملية من ندوب لن تفارقنا بسهولة.
ولكن بكل الأحوال لا يمكن تقييم ما يجري إلا بالكثير من الإيجابيات، عند النظر إلى الوضع الفلسطيني. لقد استطاع الشعب الفلسطيني أن يقول كلمته الحاسمة للقيادة الفلسطينية، بشقيها المنقسمين في الضفة وغزة. استطاع الشعب الفلسطيني من خلال عشرات القوائم التي قررت خوض تحدي المرحلة بنزولها إلى الانتخابات، على الرغم من الصعوبات والتحديات والتهديدات والتعجيزات أن تقول كلمتها الأخيرة للفصيلين الحاكمين في شقي الوطن: أنتم لا تمثلوننا. وكل بقدر استطاعته ورأيه ومرجعيته وإيمانه حمل قرار التغيير وشكل قائمته.
ولكن، كم هو استعدادنا للخوض الحقيقي في غمار هذه التجربة؟ لا أعرف. كلنا نعرف أن علينا خوضها، وتحدي الوضع القائم، وقول كلمتنا كشعب غير راض عما يجري لسنوات.
اختلفت النوايا ربما، وخرج البعض من جحورهم المظلمة ربما، وحلق البعض بحلمهم ربما، ولكن كم يمكن إجراء انتخابات وسط انقسام هدفه اقتسام السلطة، ويفرز في أحسن أحواله في ظل هذه الظروف اقتسامات في داخل الانقسامات تجعلنا أكثر تشرذما.
في مشهد يبدو أقرب للرهبة منه للأمل، تبدو مطالب التغيير متمحورة حول تغيير الشخوص لا تغيير الواقع. يبدو المشهد السياسي بعيدا كل البعد عن برامج القوائم، بينما يكرس الوضع الداخلي حضوره، وكأن الوطن أوطان لا تشترك إلا بالشعارات الانتخابية. والاحتلال في المشهد يشكل فقط القوة التي لها الكلمة الأخيرة والفاصلة بإجراء الانتخابات من عدمها.
شعارات ترفع لإنهاء الانقسام، بينما تكرس غزة احتياجاتها ومطالبها، وفق مأساوية الوضع الحالي، وتزاحم الضفة من أجل محاولة تغيير يغير فيها الوجوه ويكرس فيها الوضع القائم لتنتج حلة مختلفة الإشكال لنفس الوضع القائم.
في معرض سابق كتبت أن الحاجة قبل تحديد موعد انتخابات، هي إلى الإعداد والاستعداد للانتخابات. يبدأ أولا بإعداد الوضع الفلسطيني الرسمي العام لهذا، فلا يعقل أن تتم انتخابات وسط انقسام، فحكومة وحدة وطنية تشكل من أجل الإعداد للانتخابات هو أمر لا يمكن التفكير المنطقي بانتخابات بدونها. خطة اقتسام السلطة بين المنقسمين فشلت بالتأكيد لترجح جهة على أخرى، وتزيد من أزمة فرصة إيجاد حلول، ليتفاقم الوضع الداخلي بانقسامات لا يمكن ردمها بسهولة، مقابل خلق واقع جديد لا لن يمكن إلا بتفاقم وضع خارجي لن يقبل بالمشهد الجديد كواقع. وعليه يتفاقم الوضع على الشعب الذي يعاني الأمرين بين حصار وجوع وتكبيل، وتكريس أكبر لغياب القانون، بما يؤشر باندلاع حرب أهلية أو فلتان أمني واسع بلا أدنى شك.
وعليه يبدو تفاقم وضعنا انحدارا إلى حضيض جهنمي ملتهب، فكما شكلنا سلطة تحت احتلال، سنعيش حربا أهلية، فيما لا يزال الاحتلال مخيما علينا.
وكما كان قرار الانتخابات بيد الرئيس الفلسطيني، من أجل اقتسام السلطة لإضفاء شرعية تجعل كلا من طرفي الانقسام يشرعن وجوده أمام العالم. قرار تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية، هو قرار ملح من أجل إبقاء هذه الشرعية.. مؤقتا.

في مشهد يبدو أقرب للرهبة منه للأمل، تبدو مطالب التغيير متمحورة حول تغيير الشخوص لا تغيير الواقع. يبدو المشهد السياسي بعيدا كل البعد عن برامج القوائم، بينما يكرس الوضع الداخلي حضوره، وكأن الوطن أوطان لا تشترك إلا بالشعارات الانتخابية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى