شوف تشوف

القانونية

مآل عقود الشغل بعد تجاوز أزمة كورونا توقف عقود الشغل الناتج عن الإغلاق المؤقت للمقاولة

مولاي حفيظ حفيضي عضو نادي قضاة المغرب

 

أدت جائحة كورونا إلى إغلاق بعض المقاولات، في حين تم السماح لمقاولات أخرى بالاستمرار في ممارسة أنشطتها، مما يجعل الحكم على أثر هذه الجائحة على إنهاء عقود الشغل مختلف بين الحالتين، إما بسبب توقف عقد الشغل مؤقتا نتيجة الإغلاق، وإما بسبب مغادرة الأجير لعمله خوفا من الإصابة بهذا الفيروس اللعين.

وإذا كان للدائن في القواعد العامة أن يتمسك بعدم تنفيذ العقد للانسلاخ من التزاماته التعاقدية، في حال امتناع المدين عن تنفيذ ما بذمته من التزامات طبقا للفصل 235 من قانون الالتزامات والعقود، فإن هذه القاعدة ليست مطلقة في عقد الشغل، لما له من خصوصيات على مستوى إنجاز العمل وأداء الأجر كمحل لعقد الشغل، حيث يبقى التوقف عن تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين طرفي عقد الشغل لمدة مؤقتة قد تطول وقد تقصر، حسب سبب التوقف.

ومما لا شك فيه أن جائحة كورونا ستكون لها آثار وخيمة على عقود الشغل، مما يدفعنا إلى التساؤل عن مآل عقود الشغل خلال فترة الحجر الصحي، هل ستؤدي هذه الجائحة إلى توقف عقد الشغل، أم أنها ستنهي العقد وتعفي أطراف العلاقة الشغلية من التزاماتها تجاه الطرف الآخر باعتبارها قوة قاهرة؟

تجدر الإشارة بداية إلى أن المشرع ميز بين حالات توقف عقد الشغل، وحددها في المادة 32 من المدونة، في حين أورد في المادة 33 القوة القاهرة والتي تخول لأطراف علاقات الشغل إنهاء العقد دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض للطرف الآخر، ونعتقد أن جائحة كورونا لا يمكن اعتبارها قوة قاهرة تخول للمقاولة إنهاء عقود الشغل وتسريح عمالها، طالما أن هذه الجائحة لن تؤدي إلى استحالة تنفيذ عقد الشغل واستمرارية المقاولة في ممارسة أنشطتها من جهة، وطالما أن السلطات الحكومية قد حددت في إطار التدابير الاحترازية المتخذة لمواجهة فيروس «كوفيد- 19» القطاعات المعنية بالإغلاق لمدة قد تطول أو تقصر، أملا أن تعود إلى ممارسة نشاطها بشكل عادي بعد الانتصار على الفيروس اللعين، من جهة أخرى، وهو ما أكدت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 25.20 من أنه «تعتبر الفترة المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه، (أي الفترة الممتدة من 15 مارس إلى غاية 30 يونيو 2020) بالنسبة إلى العاملين المشار إليهم في المادة المذكورة، في حكم فترة توقف مؤقت لعقد الشغل بالنسبة إلى الأجراء، وفق أحكام المادة 32 من القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، وفترة توقف مؤقت لعقود التكوين بالنسبة إلى المتدربين قصد التكوين من أجل الإدماج، وتظل بالتالي العلاقة التعاقدية مع مشغليهم قائمة، وتحتسب الفترة المذكورة كمدد تأمين، لتخويل الحق للأجراء المشار إليهم في الفقرة السابقة في التعويضات المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 1.22.18، الصادر بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 الموافق لـ22  يوليوز 1922، المتعلق بالضمان الاجتماعي، وفي القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، وتحول هذه المدد إلى أيام، باعتبار الشهر 26 يوما.

مما يعني أن المقاولات غير المعنية بالإغلاق لا يمكن اعتبار فيروس جائحة كورونا بخصوصها قوة قاهرة، وبالتالي أي فصل للأجير ناتج عن ذلك سيعتبر فصلا تعسفيا، كما سنبين ذلك في المحور الثاني.

أما بالنسبة إلى المقاولات التي تم توقيف أنشطتها بسبب القرارات الحكومية، كتلك المتعلقة بالمقاهي وقاعات الألعاب الرياضية والحلاقة ودور السينما وأنشطة النقل العمومي وغيرها، فتعتبر تلك القرارات قوة قاهرة (بفعل الأمر) لكنها لا يمكن أن ترتب إنهاء علاقات الشغل وفسخ عقود الشغل، وإنما يتوقف عقد الشغل خلال فترة الإغلاق المحددة بموجب قرار المنع، على أن يستأنف العمل ويعود الأجير إلى عمله، بعد رفع الحجر والمنع المفروض على هذه الأنشطة، وتعود الحياة إلى وضعها الطبيعي.

وإذا كانت تلك المقاولات غير المشمولة بوقف أنشطتها مجبرة على الاستمرار في ممارسة أنشطتها، إلا أنه قد تظهر بعض حالات الإصابة بفيروس «كوفيد- 19» في محيطها، كإصابة أحد الأجراء فتقوم المقاولة بإيقاف العقد مع الأجير المصاب أو المكتشف من حالات المختلطين، ويتوقف العقد مؤقتا إلى حين تماثل الأجير للشفاء أو انتهاء مدة الحجر الصحي المحدد من قبل وزارة الصحة، على أن يعود إلى عمله بعدما يتبين خلوه من الفيروس أو بشفائه، على أن تتخذ المقاولة كل تدابير حفظ الصحة والسلامة. ويمكن للمقاولة تجنبا لمخاطر تفشي فيروس كورونا داخل محيطها، التعجيل باستفادة الأجراء من عطلتهم السنوية المؤدى عنها، بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثل النقابي عند وجودهم وحصول توافق على ذلك.

نافذة:

نعتقد أن جائحة كورونا لا يمكن اعتبارها قوة قاهرة تخول للمقاولة إنهاء عقود الشغل وتسريح عمالها، طالما أن هذه الجائحة لن تؤدي إلى استحالة تنفيذ عقد الشغل واستمرارية المقاولة في ممارسة أنشطتها من جهة، وطالما أن السلطات الحكومية قد حددت في إطار التدابير الاحترازية المتخذة لمواجهة فيروس «كوفيد- 19» القطاعات المعنية بالإغلاق لمدة قد تطول أو تقصر، أملا أن تعود إلى ممارسة نشاطها بشكل عادي بعد الانتصار على الفيروس اللعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى