شوف تشوف

الرأي

مآلات الحرب الأوكرانية

 

إميل أمين

 

يبقى أحد أهم الأسئلة المطروحة على ساحة التفكير في شأن الأزمة الأوكرانية: «ماذا بعد التاسع من ماي الجاري؟».

الشاهد أن العالم انتظر على أحر من الجمر خطاب الرئيس الروسي، يوم الاثنين 9 ماي، لكي يحدد الجميع بوصلة الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية، غير أن الآمال تبددت في إمكانية قراءة مستقبل الأزمة في المدى القريب.

قبل ذلك التاريخ بساعات، ارتفع سقف التوقعات، فذهب البعض إلى أن بوتين سوف يعلن النصر بأوكرانيا، ومن ثم وقف إطلاق النار، فيما ذهب آخرون إلى القول إن الروس سوف يطورون من هجماتهم لتطول الجانب الغربي من أوكرانيا، وبالتالي الاقتراب من حدود الناتو عند بولندا تحديدا، والعديد من التوقعات التي كانت أقرب ما تكون إلى التمنيات.

مرة جديدة أثبت القيصر صعوبة قراءة ما يدور برأسه، الأمر الذي يتسق مع رئيس بدرجة جنرال «كي جي بي»، في زمن الستار الحديدي، ورغم قصر الخطاب الذي قدمه، إلا أنه جعل دوائر الاستخبارات الغربية تقع في حيرة من أمرها.

يلفت الانتباه في ما بعد 9 ماي أن التساؤلات بدت ترتفع باحثة عن الحد الفاصل ما بين الحقيقة والأوهام، وبنوع خاص الاتهامات التي وجهها بوتين منذ خطاب 26 فبراير، أي بعد 48 ساعة من انطلاق العمليات العسكرية، والخاصة بقصة القوميين الأوكرانيين النازيين.

لقد تبين أن اتهامات بوتين لا تخلو من درجة من الصواب، فخلال الحرب العالمية الثانية انضم عدد كبير من القوميين الأوكرانيين إلى صفوف النازيين الألمان، وساعدوا استخبارات هتلر في القبض على المواطنين اليهود، كما أسهموا في قمع انتفاضة وارسو عام 1944.

وقبل بضعة أشهر، وتحديدا في يناير الماضي، نظمت بعض التيارات اليمينية الأوكرانية مسيرة تكريم لزعيم ميليشيا أوكرانية، حارب مع قوات ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفياتي، سعيا إلى انتزاع استقلال بلاده، وفق أنصاره.

وهنا أيضا لا يمكن نفي وجود عدد من الأحزاب والتيارات الأوكرانية ذات الميول المتطرفة، مثل حزب الجبهة الشعبية، والحزب الراديكالي، وكلاهما المكافئ الموضوعي لفكر النازية القديم.

أما التجلي الواضح للنازية في صورتها المعاصرة، فيتمثل في كتبية «آزوف»، التي يهيمن عليها متطرفون يمينيون ومتعاطفون مع النازيين الجدد، وقد دربت مدنيين على رفع السلاح في وجه القوات الروسية.

هل كان بوتين صادقا حين وجه أصابع الاتهام إلى تلك الجماعات وتحالفها مع حلف الناتو، في محاولة إلحاق ضرر كبير بأمن روسيا الاتحادية؟

الذين قدر لهم متابعة احتفالات 9 ماي، ربما لفت انتباههم أن الروس لا يستخدمون تعبير الحرب العالمية الثانية، وإنما «الحرب الوطنية العظمى»، الأمر الذي يؤشر إلى الأثر الذي طبعت به تلك الحرب نفوس الروس. فيما الأمر الآخر الذي توقف معه بوتين في الخطاب الرسمي للاحتفالات، هو محاولة استخلاص الدروس من الماضي، وحتى لا تتكرر المآسي التاريخية.. كان يشير إلى محاولة الاتحاد السوفياتي استرضاء النظام النازي، وعدم استفزازه، ومحاولة تجنب الحرب، غير أن النتيجة التي جرت بها المقادير تمثلت في مهاجمة ألمانيا النازية عام 1941، وسقوط نحو 28 مليون قتيل من الجانب الروسي.

يرى بوتين أن الاسترضاء لا يفيد، وأن الذين تآمروا على روسيا الاتحادية من النازيين في الماضي، هم أنفسهم من كانوا يخططون للقفز على شبه جزيرة القرم، ومحاولة طرد الروس منها من جديد.

من هنا كان طرح المبادأة والمبادرة من الجانب الروسي، وعدم الانتظار حتى تنطلق القوى المعادية لروسيا تاريخيا، في طريق وضع الكثير من العصي في دواليب الانطلاقة الروسية.

ثم ماذا بعد؟ هذا هو التساؤل المحير، هل سيكمل بوتين عملية ضم إقليم دونباس رسميا إلى روسيا الاتحادية ويكتفي بذلك، أم سينطلق نحو غرب أوكرانيا، مع ما في ذلك من مخاطر الاشتباك مع بلدان أعضاء في الناتو، كما الحال مع بولندا على سبيل المثال؟ هل ستتوقف الحرب وتبدأ المفاوضات؟ ليس سرا أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي لا يملك من أمره شيئا، وإنما ما يحدث على أرضه هو حرب بالوكالة بين الناتو وروسيا، وإن اقتصرت حدودها حتى الساعة على مجال الأسلحة التقليدية.

إن موقف بوتين ربما ينطلق من المقولة التاريخية لرئيس وزراء بريطانيا، ونستون تشرشل: «أنت لا يمكنك أن تفاوض إلى مدى أبعد من ذاك، الذي تصل إليه نيران مدافعك». أما مدافع بوتين فمن الواضح أنها لن تصمت في الأجل القريب، سيما في ظل إغداق الولايات المتحدة الدعم المسلح لأوكرانيا، والذي بلغ على حد تعبير الرئيس بايدن، في شهرين، ما يعادل ميزانية أوكرانيا في عام كامل.

وخلال الشهر الماضي بدأ الروس استخدام صواريخ «إسكندر» و«كاليبر» وغيرهما من الترسانة الصاروخية الروسية، التي لا تصد ولا ترد.. هل سيتوقف الأمر عند هذا الحد؟ هل سيقبل الناتو أن تتحول شحنات أسلحته إلى كومة من الحديد المحروق؟

هنا ربما يتحتم على الجميع الاستماع إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.. لا حل يسمح بإذلال أي طرف.. العقلانية مطلوبة ومرغوبة لتجنب العالم صراعا كونيا.

 

نافذة:

يرى بوتين أن الاسترضاء لا يفيد وأن الذين تآمروا على روسيا الاتحادية من النازيين في الماضي هم أنفسهم من كانوا يخططون للقفز على شبه جزيرة القرم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى