حسن البصري
قضيت شهر يناير من سنة 2013 في جنوب إفريقيا، تابعت تفاصيل حياة شعب يحب الرياضة ويجعل منها عقيدته، غير منتبه للتوتر الجيو سياسي الذي تعرفه العلاقات المغربية الجنوب إفريقية.
كانت المناسبة شرطا، وكانت مدن جنوب إفريقيا ترتدي حلة العيد وهي تستقبل نهائيات كأس أمم إفريقيا، في المقاهي والفنادق والشوارع والمطاعم اختفت صورة نيلسون مانديلا خلف صورة كأس إفريقيا و»برورتريهات» منتخب «البافانا بافانا».
ذات ليلة ممطرة حل علي الفاسي الفهري رئيس الجامعة بمطار جوهانيسبورغ، والتحق بمقر إقامة المنتخب الوطني، فاستفاق اللاعبون والطاقم التقني ونزلوا لاستقبال الرئيس الذي لم يكن له علم بما يحدث في هذا العرس القاري.
كان التوتر يسود العلاقات المغربية الجنوب إفريقية، وكان التهامي الكلاوي القائم بأعمال سفارة المغرب في بريتوريا، وهو يتنقل بين العاصمة وجوهانيسبورغ وديربان يخشى الهزيمة السياسية قبل الرياضية، رغم أنه أضاع وقتا طويلا في إقناع المنظمين بتوفير تذاكر ولوج الملاعب، وحين نظمت السفارة حفل استقبال على شرف أعضاء المنتخب الوطني، كانت مخاوف الكلاوي أكبر من قلق الطاوسي.
حين عدت إلى فندق راديسون، وسط هواجس الخوف من ارتفاع نسبة الجريمة في هذا البلد، التقيت مراسلا لوكالة المغرب العربي للأنباء حدثني عن جرائم أخرى، وكشف عن جرائم سياسية أشد ألما من غارات النشالين وقطاع الطرق وباعة المخدرات، وسرد مجموعة من المواقف العدائية للنظام الجنوب إفريقي خاصة في علاقته بأعداء وحدتنا الترابية.
في اليوم الموالي، شهد ملعب سوكر سيتي افتتاح نهائيات كأس أمم إفريقيا في دورتها الـ29، كانت الأمطار تغمر الملعب وكأنها تمسح نوايا الكفر التي تسكن قادة هذا البلد. وفي المنصة الشرفية شوهد زعيم البوليساريو وهو ينتظر طلعة نيلسون مانديلا ليسجل حضوره وهو يتأبط هدية كان ينوي تقديمها للزعيم الروحي لجنوب إفريقيا.
قبل انطلاق الحفل، غمرت المياه المنصة الرسمية وكادت أن تهدم «الحفلة»، وقال منشط الحفل إن مانديلا تعذر عليه الحضور بسبب ظروف صحية طارئة، حينها ضرب ممثل البوليساريو كفا بكف ووضع هديته المبللة تحت مقعده، ثم تراجع إلى الصف الثالث كتلميذ كسول.
لكن حضور مانديلا على عشب ملعب سوكر سيتي، ظهر على شكل دمية عملاقة جسدته في شكل لاعب أعطى ضربة بداية حفل افتتاح البطولة، رغم أن الأمطار أسقطته مرتين وسط تصفيقات الحضور.
مرت الأيام فأصبح موتسيبي رئيسا للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، لكن حفيد مانديلا سيحرجه بسبب حشر أنفه في شؤون الكرة الإفريقية، حين ظهر في ملعب الجزائر وهو يقدم خطبة سياسية تضرب قيم الرياضة وتحطمها.
مرت السنوات وانتهت الصلاحية القانونية لعلي الفاسي الفهري، الذي كان يعول على سفراء شقيقه الطيب الفاسي الفهري، ومهندسي الماء الصالح للشرب لتسهيل مقام المنتخبات في إفريقيا، لكن الصدف شاءت أن يحضر نهائي كأس دوري إفريقيا الممتاز أول أمس، بين الوداد المغربي وصان داونز الجنوب إفريقي، يوسف العمراني سفير المغرب في بؤرة التوتر.
ظل النظام الجنوب الإفريقي راعيا رسميا للبوليساريو في «الضراء والضراء»، حين لم يجد مساحة للسراء، بل إن الكاتب الصحراوي الفاضل الركيبي، كشف غضبة بريتوريا على إبراهيم «الرخيص»، بسبب القيادي بشرايا البشير، الذي تلاحقه الفضائح المالية والجنسية، كغيره من قيادات البوليساريو، وهو المتهم بسرقة مليون ونصف مليون دولار وجهتها جنوب إفريقيا لبناء ملاعب وأماكن ترفيه داخل المخيمات، وعوض محاكمته تم تنقيله لنيجيريا كي لا يقول كل شيء.
اليوم تحولت بريتوريا وجوهانسبورغ وديربان إلى بؤر سياسية عقيدتها العداء الدائم للمغرب، في ظل هذا المناخ يقتات الانفصاليون «المرفودة» التي يوفرها أحفاد يعيشون على بركات جدهم.