ليعذرنا الأشقاء في السعودية إذا تدخلنا في شؤونهم..
يحتفل الإعلام السعودي، وعلى استحياء شديد هذه الأيام، بمرور عام على تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش خلفا لشقيقه الملك عبد الله، ولكن الإنجازات التي تغنى بها هذا الإعلام تبدو محدودة جدا، بينما تغرق البلاد، وفي زمن قياسي في صغره، في حروب بلا قاع في سورية واليمن، وأخرى في مواجهة معظم الدول المنتجة للنفط، وشركاته، بعد فشلها في السيطرة على انهيار أسعاره، والأهم من ذلك حربها مع شركات النفط الصخري الأمريكية العملاقة التي انتهت بإفلاس معظمها، ولوبيات شركات النفط هي الأضخم والأقوى في أمريكا، بعد لوبي السلاح، واللوبي الاسرائيلي.
واللافت أن هذه الاحتفالات تزامنت مع تقرير خطير لمعهد «شؤون الخليج الفارسي» ومقره واشنطن، تحدث عن نوايا العاهل السعودي للتنازل عن العرش لابنه الأمير محمد، ولي ولي العهد وزير الدفاع، والحاكم الفعلي للبلاد، وأكد التقرير أن الملك سلمان زار أشقاءه الكبار الواحد تلو الآخر، ومن بينهم الأمير طلال بن عبد العزيز، أكثرهم انتقادا لسياسات المملكة، ومعارضته لتولي الملك سلمان الحكم، ناهيك عن تعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، والأميرأمير محمد بن سلمان نائبا له، وهدف هذه الزيارات إطلاعهم على نواياه في ترك الحكم، وتولي ابنه العرش وهو على قيد الحياة.
السعوديون، ونحن نتحدث هنا عن القيادة، والدائرة السياسية والإعلامية المحيطة بها، يتحسسون كثيرا من الكتابة، ولو بموضوعية عن شؤونهم الخاصة، ويعتبرون ذلك تدخلا في شؤونهم الداخلية، خاصة إذا كان الكتاب من العرب من أمثالنا، ولكنهم ينسون أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تجاهل الكتابة عنهم، لأنهم يدسون أصابعهم وأنوفهم في أكثر من جبهة في المنطقة والعالم، فهم يخوضون حربا ساخنة مباشرة في اليمن، وأخرى بالإنابة في سورية، وباردة ضد إيران، ويشكلون أحلافا عسكرية عربية، وأخرى إسلامية بزعامتهم، ويحشدون لتشكيل تكتل سني طائفي الطابع، ويؤسسون مجلس تعاون استراتيجي مع تركيا على هذه الأرضية، ويتزعمون جبهات دولية لمحاربة الارهاب، ويحددون هوية المعارضة السورية، ويشكلون وفدها إلى مفاوضات جنيف، فإذا كان كل هذا لا يعتبر تدخلا في شؤون الآخرين الداخلية، فماذا نسمية إذا، وكيف لنا أن نتجاهله، وندير وجهنا إلى الناحية الأخرى، وهي غير موجودة أساسا لأنهم في كل الجهات الأربع.
وفي ظل هذا الإقصاء للصحافة العربية وكتابها الباحثيين حتى عن نصف الحقيقة، بدأت المملكة تفتح أبوابها مواربة للصحافيين الغربيين، من أمثال الصحافي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان، ومندوب مجلة «الايكونوميست» البريطانية المعروفة، الأمر الذي يعطينا وأمثالنا من الفضوليين، الفرصة للتعرف على بعض الجوانب في السياسات والحروب السعودية التي يقتصر الحديث عنها عربيا مع الصحافة الرسمية وعدساتها.
مجلة «الايكونوميست» التي انفردت بلقاء الأمير محمد بن سلمان لمدة خمس ساعات، ونشرت في عددها الأخير تقريرا عن زيارة مندوبها للجبهة الجنوبية، وقيادتها في منطقة نجران الحدودية مع اليمن، التقرير كان صادما لما ورد فيه من معلومات تنشر للمرة الأولى، فقد أكدت المجلة أن صواريخ الحوثيين تضرب في وسط المدينة، حتى أن أحدها من نوع «كاتيوشا» سقط على بعد أمتار من مقر الجنرال سعد العليان، قائد هذه المنطقة، ودمر نوافذ مكتبه، والواجهة الزجاجية لفندق جديد من المقرر افتتاحه بعد بضعة أيام، وأكد معد التقرير أن اهالي نجران هجروا منازلهم في المدينة إلى أطرافها الشمالية بحثا عن الأمان، وأن أكثر من 7000 مواطن جرى إجلاؤهم من قراهم الحدودية لتأمينهم في أماكن أخرى.
الإعلام السعودي لا يعتبر الحرب في اليمن التي تقترب من إكمال عامها الأول من إنجازات العهد الجديد رغم أن الأمير محمد بن سلمان يصر أنه انتصر فيها، وسيطر على ثمانين في المئة من الأراضي اليمنية باستثناء أكبر ثلاث مدن ومحافظات يمنية هي صنعاء وتعز وأب، ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما، فمعظم المدن التي حررتها قوات التحالف العربي، بما فيها عدن والمكلا والضالع وأبين، باتت في يد تنظيم «القاعدة» أو منافسه «الدولة الاسلامية»، جزئيا أو كليا.
معضلة السعودية في اليمن مزدوجة، فبالإضافة إلى التكاليف المادية والسياسية والبشرية الهائلة في الجانبين، واليمن بصفة أساسية، هناك «كوكتيل قاتل»، أو بالأحرى تحالف خطير جدا تواجهه، يضم قوات مقاومة حوثية تشكلت على غرار «حزب الله» في لبنان، وتملك مقاتلين أشداء، جيش جمهوري يتزعمه «داهية» اسمه علي عبد الله صالح، امتلك خبرة قتالية عالية في حرب العصابات، من ضمنها خوض حرب انفصال عام 1994، وست حروب ضد التمرد الحوثي على حكمه في حينها، وهذا الجيش يملك دبابات وصواريخ باليستية، أما الجانب الآخر من المعضلة، فهو تدفق نصف مليون يمني عبر الحدود السعودية بحثا عن العمل والأمن، وتورط السعودية في تحمل مسؤولية 25 مليون يمني آخر في زمن انخفضت فيه أسعار النفط إلى ما دون الثلاثين دولارا، وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن النفط السعودي، ومعظمه من النوع الثقيل يقل خمسة دولارات عن هذا السعر القياسي.
تحقيق نصر سعودي في اليمن مستبعد كليا في المستقبل المنظور، والتوصل إلى حل سياسي كمخرج للأزمة يزداد صعوبة مع انهيار مفاوضات جنيف، وتأجيل جولتها القادمة إلى أجل غير مسمى، والشيء الوحيد الممكن والمتاح للقيادة السعودية هو التركيز على «كيفية إدارة الحرب وليس كسبها»، ووضع حساباتها على أساس استمرارها لسنوات أو حتى لأجيال قادمة.
الدعاة الكبار في السعودية صاموا، أو معظمهم، عن الحديث عن هذه الحرب، أو الحروب الأخرى، باستثناء القلة القريبة من القيادة، والعاملة في مؤسسات الدولة، إيثارا للسلامة، فإذا كانت تغريدة واحدة انتقادية على «التويتر» تكلف صاحبها عقوبة سجن لعشر سنوات، فكيف الحال لو اعتلى بعضهم المنابر منتقدا ومحذرا ومحرضا؟
الشيخ سلمان العودة، الداعية المعروف، كسر هذا الحاجز جزئيا عندما لخص الموقف برمته في جملة قالها لمندوب مجلة «الايكونوميست» مفادها، ما الفائدة من إنفاق المليارات وتحمل خسائر بشرية بالآلاف إذا استمرت الأمور تدور في المربع الأول، أو «إذا كنا سنظل محلك سر»؟
ليعذرنا الأشقاء السعوديون إذا تدخلنا في شؤونهم الداخلية، فنحن أولى من «الايكونوميست» وتوماس فريدمان، لأن حروبهم تؤثر علينا ومستقبلنا، ومئات الملايين مثلنا في عالمنا، بشقيه العربي والاسلامي.