في شهر غشت الماضي قام إيمانويل ماكرون بزيارة الجزائر من أجل اللقاء بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون. يرى لوران غايار في هذا المقال (فيغارو فوكس) أن إحياء الحوار الفرنسي الجزائري يجب ألا يكون على حساب البلدان المجاورة، والمغرب في المقدمة.
لوران غايارد هو مدرس وكاتب عمود في المجلات:
Revue des Deux Mondes, Magazine Causeur, la Revue Conflits
من مؤلفاته: “الجغرافيا السياسية للشبكة المظلمة“، “آفاق جديدة واستخدامات جديدة للتكنولوجيا الرقمية“.
عناوين فرعية:
– ب 3500 كيلومتر من الساحل، المغرب هو البلد الوحيد في أفريقيا الذي لديه ساحل على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وسياسة محمد السادس تتجه بحزم نحو تعزيز النفوذ المغربي في أفريقيا.
– ومن شدّة رغبتها في المراهنة كثيرا على الجزائر، تخاطر فرنسا بتفضيل تحالفات ظرفية على حساب مصداقيتها في المنطقة. من المهم ألا يميل إيمانويل ماكرون إلى التضحية بالرباط من أجل الجزائر العاصمة.
ترجمة: محمود عبد الغني
استثمر قصر الإيليزي وجزء من وسائل الإعلام الفرنسية زيارة إيمانويل ماكرون للجزائر، في الفترة من 25 إلى 27 غشت الماضي. منذ بداية ولايته الأولى، جعل إيمانويل ماكرون المصالحة الفرنسية الجزائرية مسألة شخصية. لكن قيام الرئيس الفرنسي بذلك، في نظر العديد من المراقبين، يكون قد سمح لنفسه بأن يكون محاصرا في فخ الذاكرة وفي خطاب الاستياء، الذي أصبح المحور الأساسي للسياسة الخارجية الجزائرية كلما اقتربت الجزائر من فرنسا. إلى حد الإهمال الخطير للتحالفات الأخرى الممكنة، والأكثر إثمارا للعلاقات في المنطقة.
من غير المرجح أن تنجح عملية المصالحة التاريخية طالما أن الجيش يحتفظ بمثل هذا النفوذ السياسي في الجزائر، وليس من مصلحة الجيش أو الحكومة الجزائرية بأي حال من الأحوال الوصول بهذه العملية إلى إنجاح هذا المسار. ففي سياق أزمة الطاقة، الناجمة عن أوجه القصور في الأسطول النووي الفرنسي والحرب في أوكرانيا، يتصور الجهاز التنفيذي الفرنسي، بسذاجة كبيرة، أن يكون قادرا على الدخول مرة أخرى في لعبة الابتزاز، على أمل أن يحل الغاز الطبيعي في الجزائر العاصمة جزئيا محل غاز موسكو. وبمزيد من السذاجة، تسعى فرنسا جاهدة لتعزيز شراكة استراتيجية وأمنية وهمية للغاية مع الجزائر، التي تشترك على التوالي في 1329 و951 كيلومترا من الحدود مع مالي والنيجر، حيث لفرنسا مصالح حيوية في مجال تعدين اليورانيوم، وحيث تعتزم باريس أيضا مواصلة مكافحة انتشار الحركات الجهادية، على الرغم من الاحتكاك الأخير مع مالي. هذا الحساب مفهوم، لكنه يظهر أيضا استمرار التفكير الاستراتيجي الذي لا يزال سجين مخططات ما بعد الاستعمار التي عفا عليها الزمن، وهي نفسها التي تصر الجزائر على استغلالها لتحقيق أقصى استفادة من الطاقة المزدوجة ومن الذاكرة. وإذا كانت الحاجات الطاقية والأمنية تدين فرنسا بعدم إهمال الجزائر العاصمة، فلا شيء يجبرها على ازدراء، باسم سياستها الجزائرية، التحالفات المحتملة الأخرى في المنطقة، وخاصة مع المغرب.
إن إحياء الحوار الفرنسي الجزائري قد يستجيب لحالة طارئة، وهي حالة الغاز، ولكن ليس من المؤكد أنها يمكن أن تكون جزءا من مشكلة أمنية واستراتيجية طويلة الأجل. لم تتوقف الجمهورية الجزائرية، في الواقع، عن تعزيز العلاقات الطويلة الأمد مع موسكو، وقد سبقت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 10 ماي الماضي زيارة إيمانويل ماكرون في شهر غشت. لقد تم تجديد الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، التي لا تزال أكبر مورد للأسلحة للجزائر العاصمة، بشكل كبير، مع تنظيم، في نفس الإطار، مناورات عسكرية مشتركة في الصحراء الكبرى في نوفمبر، وأيضا من أجل مكافحة الإرهاب.
مع وصول مرتزقة وكالة “فاغنر” إلى مالي المجاورة، التي غادرتها القوات الفرنسية، بناء على طلب المجلس العسكري الجديد في السلطة، لم يعد هناك ما يمكن قوله سوى إنه على الرغم من الوعود الجميلة التي تم تبادلها بين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون، فإن الموقف الفرنسي يبقى تحت رحمة التحول الكلي في الموقف الجزائري. كما أن الفشل العسكري في أوكرانيا يمكن أن يدفع روسيا إلى زيادة تعزيز وجودها في إفريقيا وتعاونها مع الجزائر، على حساب الفرنسيين.
وعلى عكس الجزائر، المتناقضة للغاية، يعد المغرب حليفا تاريخيا للغرب، وهذا التعبير ليس عبثا بالنظر إلى أن المملكة الشريفة، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 789 ميلادي، مع تأسيس مدينة فاس، التي أصبحت عاصمة المملكة الجديدة عام 791، كانت أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1777. إن “العلاقة الخاصة” بين الولايات المتحدة والمغرب هي، في الواقع، قديمة قدم العلاقة بين المملكة المتحدة نفسها ومستعمراتها السابقة. ومن الواضح أن هذه الحقيقة التاريخية، إلى جانب الواقع الجغرافي، تجعل من المغرب جسرا بين أفريقيا وأوربا والفضاء عبر الأطلسي. ومع 3500 كيلومتر من الشواطئ، المغرب هو البلد الوحيد في إفريقيا الذي لديه ساحل أطلسي ومتوسطي، كما أن سياسة محمد السادس، ملك المغرب، الذي صعد إلى العرش في عام 1999، تتجه بحزم نحو تعزيز النفوذ المغربي في إفريقيا، ولكن أيضا تقوية الروابط مع مختلف القوى الأوروبية والأمريكية.
وقد أدركت بعض هذه القوى هذا جيدا، وتقف في مقدمتها إسبانيا. يحتفظ البلدان بحدود برية مشتركة، بفضل جيبي سبتة ومليلية على الساحل المغربي، ولكن بفضل حدود بحرية مشتركة، لأن السواحل المغربية تقع على بعد أربعة عشر كيلومترا فقط من أقرب نقطة على الساحل الإسباني وجزيرة ليلى. في عام 2002، أدت محاولة المغرب لضم الجزيرة إلى أزمة دبلوماسية واسعة النطاق بين البلدين، لكن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين. وفي 20 مارس، قالت سفيرة المغرب لدى إسبانيا، كريمة بن يعيش، إن بلادها تقدر دعم إسبانيا لاقتراح المغرب القاضي بالحكم الذاتي للصحراء “بقيمته الحقيقية”، وشددت على أن “مرحلة جديدة” تفتح الآن فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين. لقد تحسنت العلاقات بين البلدين بالفعل إلى درجة أنها أصبحت قادرة على الحديث عن شهر عسل دبلوماسي حقيقي بين مدريد والرباط.
يبدو أن ألمانيا، وهي قوة أوربية أخرى لها علاقة تاريخية مع المغرب، مصممة أيضا على المراهنة على هذا البلد المحوري الذي تبلغ مساحته 446 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه 37 مليون نسمة. وأثناء وجود إيمانويل ماكرون في الجزائر العاصمة، استقبل المغرب، في الوقت نفسه، يومي 27 و28 غشت، وزير الخارجية الألماني في الرباط. “لا توجد صداقة دائمة، ولا عداء دائم، بل مصالح دائمة فقط”، كما كتب رشيد نيني في افتتاحية جريدة الأخبار، في عددها يومي 27 و28 غشت، وذلك بمناسبة زيارة الوزيرة أنالينا بيربوك. “لأن علاقات بلادنا مع الحلفاء التقليديين ليست مصاصة أبدية يمكن امتصاصها إلى الأبد”، يتابع كاتب العمود، في إشارة مبطنة إلى علاقة التبادل التي تحافظ عليها الجزائر بمهارة مع باريس.
يملك المغرب كل الأسباب لاستنكار أن باريس، على عكس مدريد أو برلين أو حتى واشنطن، تميل إلى إهمال العلاقات الفرنسية المغربية بشكل خطير لصالح مشكلة “الصداقة” الفرنسية الجزائرية. في دجنبر 2021، احتجت الرباط على القرار الفرنسي بتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر وتونس والمغرب إلى النصف، والتي تعامل بنفس الطريقة التي تعامل بها جارتها المغاربية الكبيرة. وكان قرار باريس تدبيراً انتقامياً في مواجهة الصعوبات التي بذلت لإعادة المواطنين المغاربيين الخاضعين لإجراءات الطرد على الأراضي الفرنسية. لكن “المغرب لم يرفض أبدا إعادة المهاجرين غير الشرعيين”، بحسب شكيب بنموسى، سفير المغرب آنذاك في فرنسا، “لكن الشرطة الفرنسية غالبا ما كانت ترسل له أشخاصا جزائريين أو تونسيين لا يمكنه الاعتناء بهم”. لذلك ينبغي أن ننظر في القرار الأخير الذي اتخذته السلطات القاضي بسحب التصريح القنصلي للإمام حسن إكويوسن، بعد أن قرر مجلس الدولة طرده، كوسيلة للاحتجاج على قرار اتخذ من جانب واحد، ودون استشارة السلطات المغربية. بشكل عام، يشعر المغرب بالإهمال والقليل من الدعم من قبل فرنسا، الشريك المتناقض للغاية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الملحة لإدارة تدفقات الهجرة والصحراء، في قلب التوترات الجزائرية المغربية، وهو تناقض فرنسي يفيد منافسه الجزائري، والذي ترغب الرباط في أن تعاني منه بدرجة أقل، ولا سيما في ضوء مؤتمر القمة العربي في الجزائر العاصمة الذي سيعقد يومي 1 و2 نوفمبر، والذي أعلن محمد السادس أنه ينبغي له رغم كل شيء المشاركة فيه.
من المؤكد أن العلاقات بين فرنسا والمغرب شهدت صعودا وهبوطا، وسنتذكر دوماً فتور العلاقات بين البلدين في بداية ولاية فرانسوا هولاند. ومع ذلك، فإن الرباط لديها العديد من الأوراق التي يجب إظهارها، والتي تدركها قوى أخرى غير فرنسا بشكل أكثر وضوحا: استقراره السياسي، وتنويع وديناميكية الاقتصاد الذي يلعب فيه قطاع المقاولات بالفعل دورا رئيسيا، فضلا عن الاعتراف الدبلوماسي الذي تتمتع به المملكة. ومن خلال رغبتها في المراهنة كثيرا على الجزائر، تخاطر فرنسا بتفضيل تحالفات ظرفية على حساب مصداقيتها في المنطقة. لذلك من المهم ألا يميل إيمانويل ماكرون، في سباقه من أجل المصالحة التاريخية والأمن الطاقة، إلى التضحية بالرباط من أجل الجزائر العاصمة.