لورانس باسيير.. أرملة الوزير السابق أحمد العسكي التي أغضبت الحسن الثاني
حسن البصري
في فيلا فاخرة على مشارف عين الذئاب بالدار البيضاء، تقضي لورانس باسيير، أرملة الوزير الراحل أحمد العسكي الذي تقلد ثلاث وزارات، ما تبقى من حياتها الهادئة، تتنقل بين الدار البيضاء وأكادير ثم باريس، لتعود إلى بيتها الذي يستحق أن يكون ذاكرة للحياة السياسية المغربية لما عرفه من أحداث غيرت مسار المغرب.
تفضل لورانس قضاء لحظات الحكي مع ليلى الجزائرية، أرملة اللاعب الدولي السابق عبد الرحمن بلمحجوب، التي تتقاسم معها العديد من الذكريات في باريس والدار البيضاء، إذ لعب أحمد العسكي دورا كبيرا في اندماج بلمحجوب في الحياة الباريسية حين تقاسما الغربة في عاصمة الأنوار.
تعرف العسكي على لورانس في باريس، وظلت ترافقه في فترة دراسته الجامعية بمدرسة القناطر والطرق، إلى أن تخرج وعاد إلى المدينة القديمة حيث كان يقطن في حي سيدي فاتح وسط أسرة بسيطة.
مباشرة بعد تخرجه ورجوعه لأرض الوطن، قرر أحمد الارتباط رسميا بلورانس، التي تتحدر من أسرة أرستقراطية، وكانت رفيقته من أول المشوار إلى نهايته، حيث حضرت مراسيم تعيينه مديرا عاما لميناء الدار البيضاء، بل إنها لعبت دورا كبيرا في إقناع زوجها بمساعدة عبد الرحمن بلمحجوب على امتلاك المطعم الشهير الذي يحمل اسم «الميناء». كانت الزوجة الفرنسية بمثابة مستشارة خاصة للعسكي، وقامت بإدارة كثير من نشاطاته سيما في الجانبين الجمعوي والسياسي، ففي بيته تم التخطيط لودادية مهندسي القناطر والطرق، التي ترأسها في الفترة ما بين 1962 و1963، كما حرصت على مرافقته في كثير من أسفاره حين عين وزيرا للفلاحة في ما بين 11 غشت 1970 و23 أبريل 1971، وكان في منتصف السبعينات أحد التكنوقراطيين البارزين.
وإضافة الى المسؤوليات الوزارية (التعليم، الفلاحة والأشغال العامة)، ترأس العسكي مجلس النواب المغربي، كما كان عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، عدا تقلده مسؤوليات محلية ورياضية في مدينة الدار البيضاء.
تردد أحمد عصمان على بيت العسكي قبل إنشاء حزب الأحرار، وكانت باسيير شاهدة على العصر، وساعدت على وضع اللبنات الأولى لفرع الحزب بالدار البيضاء، (بين 1963 و1965)، بعد أن أصبح يشكل إلى جانب أحمد عصمان وعبد اللطيف الغيساسي والداي ولد سيدي بابا ومحمد حدو الشيكر وعبد الكامل الرغاي والعلمي التازي ومحمد بن عيسى وأحمد العلوي والطيب بن الشيخ ومحمد بوعمود، «سرب صقور الحزب».
من أصعب المواقف التي اجتازتها لورانس غضبة الملك الراحل الحسن الثاني عليها، خلال حضورها احتفالات الملك بعيد ميلاده بقصر الصخيرات في منتصف السبعينات، فقد لاحظ الحسن الثاني أن جميع المدعوات، وهن زوجات أفراد السلك الدبلوماسي والوزراء وكبار الشخصيات العسكرية والمدنية، قد وقفن ترحيبا بوصول الملك إلى قاعة الحفل، وحدها لورانس ظلت جالسة على كرسي دون أن تعبأ لحالة الاستنفار التي عرفها الحفل. لاحظ الحسن الثاني موقف السيدة الفرنسية وحين طالب ببيانات حولها قيل له إنها زوجة أحمد العسكي، وقبل أن ينفض الحفل اقترب منها العاهل المغربي وعلامات الغضب بادية على وجهه، فدعاها إلى مساعدة منظفات موائد الحفل قبل مغادرة القصر وهو يقول: «إن جنسيتك الفرنسية لا تمنعك من الوقوف احتراما للمحتفى به». منذ ذلك الحين منع العسكي من حضور كثير من حفلات «دار المخزن».
رزقت باسيير بثلاثة أبناء: (كريم وجاد ثم نجمة)، وكلهم رجال أعمال تمكنوا من النجاح في حياتهم المهنية، سيما وأنهم درسوا في معاهد فرنسية وبتوجيه من باسيير التي كانت تتابع عن قرب الحياة الدراسية للأبناء من ثانوية ليوطي إلى أكبر المعاهد الفرنسية. ظلت عائلة العسكي تمني النفس باعتراف من مجلس المدينة بإطلاق اسم أحمد على شارع أو مرفق عمومي يخلد ذكراه، وهو الذي أعطى الكثير للمدينة من موقعه منتخبا ووزيرا ومديرا لمينائها وعمره لم يتجاوز حينها عقده الثالث، ورغم وجود ملتمس مكتوب من كريم نجل الراحل على طاولة العمدة، إلا أن المقترح أحيل على مسطرة بيروقراطية مستعصية.
في عام 2004 اشتد المرض على أحمد، فظل يتنقل بين الدار البيضاء ومصحة باريسية، سيما بعد تفاقم وضعه الصحي جراء الداء العضال الذي أصابه، وفرض عليه التواري عن واجهة المشهد السياسي في المغرب، قبل أن يفارق الحياة وهو في منتصف العقد السابع من عمره، وفي ساعة مبكرة من 28 نونبر من السنة نفسها أسلم أحمد الروح لبارئها، بعد أن كان يمني النفس بالسفر إلى تونس لمشاهدة نهائيات كأس أمم إفريقيا وهو المتيم بالوداد بينما شقيقه عبد اللطيف ظل عاشقا ومسيرا للرجاء.