لهذا ليس بنكيران كاليوسفي
هناك مغالطة كبيرة يروج لها إعلام البيجيدي وانكشاريته الإلكترونية وهي أن التشكيلة الحكومية الحالية هي بمثابة قتل للدستور واغتيال سياسي لزعيم اسمه بنكيران تمت خيانته والتنكر لمقاومته لشرط إدخال لشكر للحكومة.
وأصحاب هذا الطرح يقدمون حالة بنكيران كإعادة لما تعرض له عبد الرحمان اليوسفي عندما تمت إزاحته من منصب رئيس الوزراء لصالح التكنوقراطي إدريس جطو رغم حلول الاتحاد الاشتراكي أولا في الانتخابات، في ما اعتبر حينها خروجا عن المنهجية الديمقراطية.
أولا حزب العدالة والتنمية مشارك في هذا الائتلاف الحكومي والأمين العام لهذا الحزب، حتى إشعار آخر، هو عبد الإله بنكيران، مما يعني منطقيا أن قبول الحزب بالمشاركة في الحكومة مع الاتحاد الاشتراكي تم بموافقة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
ثانيا سعد الدين العثماني هو رئيس الحكومة المكلف وليس الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ولذلك فقرار الحزب المشاركة في الحكومة بمعية الاتحاد الاشتراكي قرار لا يعود للعثماني بل لبنكيران، ولو أراد بنكيران أن يعترض على دخول لشكر لكان اعترض ولكان لقراره مفعول، لكنه لم يعترض كأمين عام بل إنه قبل ولم يقدم استقالته كما فعل اليوسفي، شرط أن لا يتحمل وزر ذلك أمام «مداويخ» و«صكوعا» حزبه الذين بدؤوا يروجون حوله أسطورة الزعيم الذي ضحى بالمنصب من أجل المبادئ، والحال أنه لم يجرؤ على التضحية بشيء بل تم عزله في وقت كان ينتظر فيه أن يؤخذ بخاطره.
ثانيا فإن مقارنة «حالة» بنكيران بنموذج عبد الرحمان اليوسفي فيها تعسف تاريخي وأخلاقي كبير، فإذا كان الجميع متفقا على أن عدم تنصيب اليوسفي وزيرا أول رغم حلول حزبه أولا في الانتخابات كان فيه خروج عن المنهجية الديمقراطية، فإن الجميع يعترف بأن عزل بنكيران من منصب رئيس الحكومة المكلف بعد فشله في تشكيل الحكومة وتعيين العثماني لم يكن فيه أي خروج عن المنهجية الديمقراطية، لكون التعيين لم يخرج عن الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات.
ولعل الإخوان في العدالة والتنمية نسوا كيف باركوا الإطاحة باليوسفي وهللوا لتعيين إدريس جطو معددين الكبائر العشر لحزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة على صفحات جريدة «التجديد» التي كان بنكيران مدير نشرها، والتي تم توقيفها قبل يومين بحجة أن معلنين كبارا تخلوا عنها، والحقيقة هي أن الجريدة لم يكن لها معلنون لأنها بدون قراء، وترتيبها في لائحة المبيعات يشهد بذلك.
وها هو التاريخ ينتقم للاتحاد الاشتراكي بحيث رأينا كيف غادر بنكيران رئاسة الحكومة بعدما أقسم ألا يدخل معه الاتحاد، ورأينا كيف دخل لشكر ضمن أحزاب التحالف الحكومي، حتى إنه لشدة فرحه «عقد الصدايف ديال الفيستة بالمقلوب».
لذلك فما يقع اليوم لحزب العدالة والتنمية لا علاقة له بما وقع للاتحاد الاشتراكي على عهد اليوسفي.
فإذا كانت نكبة الاتحاد الاشتراكي بدأت منذ اليوم الذي قرر فيه اليازغي أن يدخل حكومة جطو مع «رباعة» من وزراء الاتحاد الذين قالوا لليوسفي اذهب إلى كان إنا ها هنا في الحكومة قاعدون، فإن نكبة العدالة والتنمية بدأت منذ قرر بنكيران أن يلعب على الحبلين، حبل المخزن وحبل الشعبية.
فهو من جهة متفق كأمين عام لحزب العدالة والتنمية على المشاركة في حكومة يكون فيها الاتحاد الاشتراكي حاضرا، ومن جهة أخرى يريد أن يحافظ في مخيلة أتباعه وفي المخيال الجماعي للمغاربة على أنه الزعيم الذي دفع منصبه فداء لمبدأ رفض دخول لشكر للحكومة.
وقد فضحه الداودي عندما قال إن بنكيران طلب منهم أن يطووا صفحته وأن يشكلوا حكومتهم وأن يبدؤوا مرحلة جديدة، وأضاف الداودي أنهم قدموا تنازلات لأن السياسة تفرض ذلك وأن مستجدات وقعت اضطرتهم إلى أن يتأقلموا معها.
مما يعني أن بنكيران لم يسلك مسلك اليوسفي الذي هجر الحزب وذهب إلى بروكسيل وألقى محاضرة الخروج عن المنهجية الديمقراطية، فالرجل ذهب إلى بيته في حي الليمون وزوجته فرحت لخبر عزله من رئاسة الحكومة، فيما هو بدا أكثر تشبثا بالأمانة العامة لحزبه من السابق.
إذن لا مجال للمقارنة بين الرجلين، فالأول عاش فعلا محنة الخروج عن المنهجية الديمقراطية فيما الثاني لم يخرج معه أحد عن المنهجية الديمقراطية بل «هوا اللي خرج على راسو غي بوحدو».
وإذا كان اليوسفي قد دفع ثمن تمسكه بالمنهجية الديمقراطية فإن بنكيران سيدفع ثمن تمسكه بسياسة «جوج وجوه»، لأنه لو كان فعلا مؤمنا بمبدأ الاعتراض على دخول لشكر للحكومة لكان فرض ذلك كأمين عام للعدالة والتنمية وتمسك به إلى النهاية، وإذا كان موقفه ضعيفا داخل الحزب ورأى أن الأغلبية ضده في هذا الأمر فما عليه سوى أن يقدم استقالته ويذهب إلى بيته، كما فعل اليوسفي عندما رأى أقرب مقربيه يتخلون عنه و«يتشعبطون» بجلايل أزولاي لكي يدخلهم إلى حكومة جطو، مثل الأشعري الذي قضى في الحكومة 12 سنة ولا يخجل اليوم من الحديث عن سياسة «عطيني نعطيك» في التعيين في المناصب.
غير أن ما «خرج» على الاتحاد الاشتراكي وشتت شملهم وأضعف شوكتهم وأذهب ريحهم هو بالضبط ما سيخرج على إخوان العدالة والتنمية وسيضرب لهم «التلافة»، وأقصد حب الكراسي و«اللهطة» على المناصب والزهد في مصالح الناس ومحبة الغنى والنعمة وكراهية العودة إلى الفقر والحاجة.
فالاتحاد الاشتراكي أضحت له في الثمانينات والتسعينات شعبية كاسحة، وكان الاتحاد يعني النضال والدفاع عن الطبقات الشعبية وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك، فكان طبيعيا أن يكتسح أعضاؤه مجالس المدن والبرلمان رغم التزوير الانتخابي الذي برعت فيه داخلية البصري وزبانيته.
وبمجرد ما استطاب وزراء الاتحاد المقام بالمناصب، وأعطى مناضلوه المثال على الاغتناء السريع واستغلال المناصب للقيام بتسلل طبقي ناجح، انتبه الشعب إلى أنه انخدع، فتقهقروا في الانتخابات من المرتبة الأولى أيام اليوسفي إلى المرتبة الخامسة أيام اليازغي الذي قبل على نفسه أن يدخل الحكومة بحقيبة فارغة.
وهذا بالضبط ما سيحدث مع أبناء العدالة والتنمية، فما سيكشف حقيقتهم أمام الشعب هو حرب الاستوزار التي اندلعت داخل الحزب بعدما ضمن مكانه في قيادة حكومة مؤلفة من ستة أحزاب يريد كل حزب حصته من الكعكة.
وسيكتشف الشعب أن موال المناصب لا تهمنا لم يكن سوى شعار لتنويم الناخبين وأن ما يهمهم أولا وأخيرا هو المناصب، وإلا فليشرحوا للشعب وللذين صوتوا لهم ما الجديد الذي جد حتى قبلوا بتشكيل الحكومة بالطريقة التي أعلن عنها العثماني بعدما ظلوا يزايدون على الجميع بشعارات الممانعة والصمود والاستعداد لبذل الدماء والرقاب لضمان احترام إرادة صناديق الاقتراع.
وعوض أن يتسلح بنكيران بالجرأة الأدبية والسياسية ويشرح لناخبيه وللرأي العام ما الذي حدث خلال المشاورات حتى اضطر إلى تليين موقفه والقبول بالاتحاد الاشتراكي داخل الحكومة سمعناه يقول إن ثمة أشياء وقعت خلال المشاورات سيحملها معه إلى القبر، مما يعني أن الشعب سيبقى في دار غفلون ولن يعرف حقيقة ما جرى.
والشيء نفسه حدث مع اليوسفي عندما رفض الإفصاح عما وقع خلال مشاورات حكومة التناوب بحجة أنه أقسم على القرآن ألا يقول شيئا.
«دابا نتا حلف فالقرآن ولاخر يدي معاه سرو للقبر وحنا الشعب تبقا مقلوبة علينا البردعة إلى يوم الدين».