لهذا عُدَّ الصمتُ حكمةً
المصطفى مورادي
دوما، هناك من يسعى للإصلاح، ولا تمنعه الظلمة من تلمس مصدر ضوء. في المقابل هناك من يستغل استمرار الظُّلمة ليحطب الأنصار، الغث منهم والسمين.. والفرق بين الفئتين كبير. الفئة الأولى «تدق جدران الخزان» لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أما الثانية فتصم الآذان عن احتضار من هم داخل الخزان، متعمدة رفع أصواتها المُنَفِّرة ليلهو السذج من الناس، لعل وعسى تأتي رياح أخرى تحملهم إلى كراسي السلطة ليقودوا الخزان ذاته إلى التهلكة، حينها سيتوبون «كما تابوا عما تابوا»، بلغة المظفر النواب.
إذن بقدر ما تبدو الحدود بين الفئتين واضحة وضوح البرزخ الذي يفصل محاربي الأزمات عن تجارها، يبدو السي بنكيران من فئة أخرى ثالثة. إنه يمثل فئة من البشر، ساهم بشكل كبير في أزمة التعليم، بل وأدخل القطاع في متاهة مازالت تبعاتها إلى اليوم، لكنه في الوقت نفسه يملك من الصفاقة ما يكفي لينصب نفسه «ثوريا» وناقدا اجتماعيا ومفكرا تربويا.
فهذا المسؤول السابق، والذي اطلع، بحكم منصبه كرئيس للحكومة، على مختلف الافتحاصات التي أنجزت حول البرنامج الاستعجالي. واطلع على أسماء الذين اغتنوا أو عبثوا بالمال العام، لم يجد الشجاعة الكافية ليقول لهم من أين لكم هذا، وينسب فشل التعليم لهم وحدهم، بل «عفا عنهم ما سلف من فسادهم»، واختار «الحيط القصير» مفضلا تعليق فشل التعليم على كاهل الأساتذة. فبالنسبة له، فسبب هذا الفشل هو أن الأساتذة لا يقومون بواجبهم. والعارف بتاريخ الرجل، منذ كان مجرد محضر في مختبر، يأتمر بأوامر الأساتذة في تحضير المختبرات، يعرف أن هذا النوع من الاستدلال ينبغي أن يفهم بالتحليل النفسي، حيث للعقد النفسية جبروت لا يكشفه إلا الراسخون في العلم. فالمؤكد أن في تاريخ الرجل ما يجعلنا نفهم هذا الحقد اللاشعوري تجاه الأساتذة.
فبنكيران، الذي جمد أربعة ملايير درهم من ميزانية التكوين المستمر في البرنامج الاستعجالي، وهي ميزانية كانت ستمكن كل أساتذة القطاع من الاستفادة من هذا النوع من التكوين لمدة عشرين يوما في السنة لكل موظف منهم. وبنكيران الذي ظل يراقب طيلة خمس سنوات ارتفاع نسب الاكتظاظ في الفصول الدراسية حتى بلغت السبعين تلميذا في القسم الواحد بسبب ارتفاع عدد المتقاعدين في القطاع، وبدل ذلك أصدر مرسومين يفصلان التوظيف عن التكوين ويقلصان منحة المتدربين، وأدخل البلد في أزمة اجتماعية هي الأخطر في تاريخ التعليم، قبل أن يتراجع عن المرسومين، وبدل ذلك انتقم من عشرات الأساتذة المتدربين بحجة أنهم راسبون، ومازالوا حتى الآن مشردين. بنكيران، الذي أمر باعتماد التعاقد لأول مرة في تاريخ التعليم المغربي، بل ووظف الفوج الأول توظيفا مباشرا دون تكوين.
هذا السياسي الذي غض الطرف عن الفساد في التعليم، وانتقم من الأساتذة المتدربين، وأسس للهشاشة الاجتماعية في صفوف نساء ورجال التعليم، لم يجد غير هؤلاء لينسب إليهم فشل التعليم، وهو يعلم علم اليقين أن فشل التعليم مصدره الارتجالية في التخطيط وتنفيذ السياسات التعليمية، وأن عدم قيام بعض الأساتذة بواجبهم ليس علة بل نتيجة. وبالتالي لا يمكن، من جهة المعقولية، أن يكون لكلامه أية قيمة تفسيرية اللهم إلا تصنيف تصريحاته بأنها «سقط الكلام»، وقديما قال عمر بن الخطاب: «من كثر لغطه كثر غلطه ومن كثر غلطه قل ورعه ومن قل ورعه قل دينه».