شوف تشوف

شوف تشوف

لهذا تصلح العرائض

يبدو أن هواية الدعوة لتوقيع العرائض الإلكترونية في موقع Change.org أصبحت رياضة وطنية، فقد رأينا كيف تمت الدعوة لتوقيع عريضة لمحاكمة الدكتور الفايد بتهمة انتحال صفة طبيب وتعريض حياة الناس للخطر بسبب نصائحه، فحصلت العريضة على أربعة آلاف توقيع فيما حصلت عريضة أخرى أطلقها مساندوه على 120 ألف توقيع.
ورأينا كيف تمت الدعوة لتوقيع عريضة ضد الدكتور خالد فتحي لمنعه من الظهور في وسائل الإعلام بعدما عبر عن موقف من قضية الاغتصاب في برنامج تلفزيوني.
وها نحن نرى كيف تتم الدعوة لتوقيع عريضة لسحب تمثال الماريشال ليوطي وتعويضه بتمثال لغراندايزر.
لا أفهم لماذا غرندايزر وليس السندباد البحري مثلًا، فهو على الأقل ينتمي إلى ثقافتنا وليس لثقافة اليابان.
أولًا أنا لست من معجبي الدكتور الفايد ولست من هواة تتبع الأشخاص الذين يتحدثون في كل شيء بوثوقية لا يرقى إليها الشك. كما أنني لا أشاطر الدكتور فتحي موقفه الذي عبر عنه في البرنامج، لكنني لا يمكنني أن أشارك في حملة لتكميم فم أي أحد طالما أنه لا يفعل غير التعبير عن أفكار ومواقف ولا يدعو للإرهاب أو العنف أو الكراهية.
في فرنسا وإسبانيا وغيرها من الدول الأوربية تستضيف البرامج التلفزيونية عتاة المتطرفين وتمنحهم حق التعبير وتستضيف من يناظرهم ويناقشهم. وفي قنوات فرنسا يمكن أن تسمع في برامجها يمينيين وعنصريين متطرفين يعبرون عن مواقف صادمة حول قضايا حساسة، ومع ذلك لا أحد يطالب بتكميم أفواههم، والمتضرر يلجأ إلى مقارعة الحجة بالحجة أو إلى القضاء، وليس إلى عرائض المطالبة بتكميم الأفواه، فهذا سلاح الجبناء.
والذين يطالبون اليوم بتوقيع عريضة لاقتلاع تمثال ليوطي عليهم أن يفهموا أن النصب يوجد داخل مقر القنصلية الفرنسية بالدار البيضاء، بمعنى أنه يوجد فوق التراب الفرنسي وليس المغربي. وفرنسا داخل ترابها لديها الحق في نصب حتى تمثال بريجيت باردو إذا أرادت وليس لأي مغربي أن يحاسبها على ذلك.
ثم هل سيجرؤ هؤلاء الذين اكتشفوا رياضة توقيع العرائض على المطالبة بتغيير اسم ليسي ليوطي لكي يصبح اسمه ليسي رابعة العدوية مثلًا؟
إذا كان هناك من صحافي يعادي الإرث الاستعماري الفرنكفوني السلبي في المغرب فهو أنا، ومع ذلك أرى أن ليوطي كان أقل المقيمين العامين كراهية للمغرب، بل إنه أبدى حبًا لافتًا للتراث المعماري المغربي. ولمعلومات هؤلاء الذين يطالبون بإزالة نصبه من مقر السفارة فليوطي هو الذي كان وراء تشييد حي الأحباس الجميل في الدار البيضاء، المكان الوحيد الذي تشعر فيه بأنك في حي مغربي أصيل. أضف إليه ساحة الحمام ومقر البلدية والمسرح الذي تم تدميره والمحكمة وبنك المغرب وكل البنايات التي لا تزال شاهدة إلى اليوم على جمالية المكان وعبقرية مهندسيه.
وكل البنايات التاريخية الجميلة في الرباط، التي حولها عاصمة للمغرب بعدما كانت فاس هي العاصمة، من باليما والبرلمان وبنك المغرب ومقر البريد وغيره كان ليوطي وراء تشييدها.
ولكي يدخل الحضارة والتمدن للمدن البدوية جلب عائلات فاسية تمتهن الحرف اليدوية ووطنها في هذه المدن وأنشأ بها أحياء للحرف، وهكذا أصبحت تسمع اسم برادة في وجدة، ولحلو في دكالة، وبنكيران ولعلج في آسفي. لقد كان ليوطي وراء فكرة توزيع عائلات فاسية على مدن مغربية مختلفة لكي تستفيد هذه المدن من مقدرات ومواهب العائلات الفاسية في مختلف ضروب التجارة والصناعة والعيش.
وكل من يريد معرفة المزيد حول هذا الموضوع ما عليه سوى العودة لمذكرات ليوطي التي أعادت نشرها كلية الآداب بالرباط إحياء للذكرى 100 لاختيار الرباط عاصمة للمغرب، والتي تحكي حول الفترة الممتدة بين سنوات 1912 و1926، التي تعتبر سنوات حاسمة في إعادة بناء وتحديث الدولة المغربية.
أعتقد أن الأحق بتوقيع عريضة للمطالبة بمحاكمتهم على جرائمهم العمرانية هم أولئك المنعشون العقاريون
المغاربة الذين شوهوا المدن ببناياتهم البشعة، أولئك الجهلة عبدة الإسمنت الذين يدمرون البنايات التاريخية المصنفة تراثا للإنسانية من أجل تعويضها بعمارات زجاجية خالية من كل جمالية.
وأنا أتساءل كيف يتنافس هؤلاء الناس في توقيع عريضة لمنع دكتور من الظهور في وسائل الإعلام بسبب رأي يمكن أن نتفق أو نختلف حوله، فيما لا أحد دعا لتوقيع عريضة لسحب حضانة الطفلة إكرام من والدها الذي قدم تنازلًا للمجرم الذي اغتصبها وحصل به هذا الأخير على سراح مؤقت قبل أن يخرج الناس البسطاء للاحتجاج فتتم إعادة المجرم إلى السجن؟
أتساءل لماذا صمت هؤلاء الناس ولم يدع أحدهم إلى توقيع عريضة لمحاسبة عناصر أمن إسبان قتلوا المهاجر المغربي القاصر إلياس الطاهري في مركز لإيواء القاصرين في مدينة ألميريا قبل أزيد من سنة عندما ظهر فيديو مؤخرا يوثق قتله من طرفهم بعدما قيدوا يديه إلى ظهره وشدوا قبضتهم عليه طيلة 13 دقيقة، دون أدنى مقاومة من الضحية الهالك.
أتساءل كيف يسمع هؤلاء الناس أن وزيرًا اسمه مصطفى الرميد يحمل حقيبة حقوق الإنسان في الحكومة ظل يشغل في مكتب محاماته طوال 22 سنةً سيدة اكتشفنا اليوم بعد وفاتها بسبب مضاعفات المرض أن مكتب محاماة الوزير لم يسجلها أبدًا في صندوق الضمان الاجتماعي ولا يسارعون لتوقيع عريضة مليونية تطالب بإقالته من الحكومة؟
لماذا تصلح العرائض إذا لم يتم استخدامها لإحقاق الحق ومناصرة البسطاء وردع الوزراء النافذين الذين يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان فيما هم يخرقون أبسط حق من حقوق الإنسان… أن يكون لك رقم انخراط في الضمان الاجتماعي حتى إذا مرضت وجدت على الأقل حائطا تستند عليه لمساعدتك على مصاريف العلاج؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى