شوف تشوف

شوف تشوف

لهذا إفريقيا ستحكم العالم 2.2

الأهم في القروض الصينية هي أنها عبارة عن عروض بنكية في عرض واحد، بمعنى عندما تقوم الصين بالإقراض، فإنها لا تقدم المال وحده، ولكنها تأتي أيضا بشركات البناء الخاصة بها، وتأتي بخبرتها الفنية، وفي بعض الحالات، باليد العاملة كذلك والتي تكون في الغالب من المساجين الذين تعرض عليهم الحكومة الصينية قضاء فترة اعتقالهم في العمل بالدول الإفريقية مقابل رواتب مع تقليص مدة محكوميتهم، ولدينا في المغرب مشاريع صينية يشتغل فيها مساجين صينيون ويعيشون كأي عمال حقيقيين.
والسبب الثاني هو أنه عند استبدال الصين بمُقرض آخر، فإن الأموال المعروضة تكون أقل بكثير، فالجهات المانحة الأخرى ببساطة لا تملك القدرة على الإقراض مثلما تفعل الصين، وبالتالي ترفض إقراضهم خوفا من عدم وفاء مدينيها بتسديد ديونهم.
لكن لماذا ترغب الصين في تحمل هذا الخطر في وقت ترفض فيه دول أخرى ذلك؟
الجواب لديه شق اقتصادي وآخر سياسي‪.‬
‪ اقتصاديا، ولحماية استثماراتها المالية، فإن الصين تقوم بإجبار المدينين على توقيع ما يسمى ببنود الأمان، وهي بوليصة تأمين تنص على أنه في حالة عدم سداد القرض يحدث نوع من المقايضة بدل ذلك، مع إمكانية الاستفادة من البنى التحتية لهذه البلدان المدينة للصين.‬
أي أنه بدلا من سداد الأموال يكون على المدين الدفع عن طريق المواد الخام التي تتوفر عليها بلاده، وهنا مربط الفرس، فالصين لا حاجة لها باسترداد فوائد قروضها بقدر ما هي مهتمة بالحصول مقابل ديونها على المواد الخام التي تزخر بها بلدان إفريقيا.
ولذلك فخطة الصين هي إغراق الدول الإفريقية بالقروض إلى الحد الذي لا تصبح معه قادرة على الدفع، وبالتالي يتم تفعيل “بند الأمان”، ويتم الدفع بالمواد الخام.
وهذا بالضبط ما حدث في سريلانكا سنة 2015، فالجزيرة هي جزء من المشروع الذي أطلقه في عام 2014 الرئيس الصيني شي جين بينغ والمسمى “طرق الحرير”، وهو بالمناسبة مشروع فرعوني يتضمن ربط الصين بأوروبا عن طريق منح قروض مالية لتمويل البنى التحتية على هذا الطريق. وفي عام 2015 قدمت الصين عدة مليارات من الدولارات لسريلانكا لبناء ميناء عملاق في جنوب الجزيرة. المشكلة أن البلد وجد نفسه غارقا في هذا الدين، ولم تعد سريلانكا قادرة على السداد، وكحل بديل اقترحت بكين بسط سيطرتها على الميناء لمدة 99 عاما، والنتيجة هي أن الصين لم تخسر المال أبدا في هذه الصفقة، بل استحوذت على أرض مجاورة لواحدة من أكثر ممرات الشحن المائية ازدحاما في العالم لمدة قرن‪.‬
لكن القروض الصينية في إفريقيا يمكن أن يكون لها هدف سياسي آخر أكثر خطورة، فمنذ وصول شي جين بينغ للسلطة في عام 2012 بدأ عصر الطموحات الصينية الكبرى. إذ إن الهدف من الآن فصاعدا هو إنشاء نظام عالمي جديد تكون فيه الصين القوة الاقتصادية المهيمنة الجديدة. وبكين تعرف أن هذا الطموح لا يمكن تحقيقه بدون وجود إفريقيا إلى جانبها، أو في جيبها على الأرجح.
ولتحقيق هذا الهدف تخرج بكين ورقة الجوكر التي تعرف استعمالها جيدا وهي ورقة “القوة الناعمة”، أو ما يسمى ‪soft power‬، أي خوض معركة كسب قلوب الأفارقة، وتغيير نظرتهم السلبية للصينيين، وعوض رؤيتهم كغزاة يأتون على الأخضر واليابس سينظرون إليهم كمنقذين وكأشخاص وديعين لا يريدون للأفارقة سوى الخير والنماء، أي ببساطة شديدة إخفاء قبضتها الفولاذية داخل قفاز من حرير‪.
‪وكما نرى فقد استغلت بكين جائحة كورونا لكي تلمع صورتها جيدا وتعطي عن نفسها صورة البلد الذي يمد يده لإنقاذ الآخرين، رغم أن الفيروس القاتل خرج من عندها.‬
وخلافا للدول الغربية فالصين ليس لها ماض استعماري في إفريقيا، ولم يسبق لها أن استعمرت أي بلد في العالم، ولذلك فهي تتصرف متحررة من عقدة المستعمر السابق ولا تتردد في استخدام هذه النقطة لحسابها من أجل تطبيق أجندتها السياسية‪.‬
‪وها نحن نرى كيف ربحت الصين الحرب العالمية الثالثة ضد أمريكا دون أن تطلق رصاصة واحدة.
لكن الأمور بدأت تتغير، ففي سنة 2017 أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية في الخارج في جيبوتي، رغم أن بكين أقسمت في ما مضى أنها لن تتبنى سلوك الأمريكيين في بناء القواعد العسكرية.
لكن في جيبوتي بدأت القواعد العسكرية تخرج من الأرض مثل الفطر، فهناك القاعدة الأمريكية، والقاعدة الفرنسية والقاعدة الإيطالية والقاعدة اليابانية، والقاعدة الهندية قادمة في الطريق‪.‬
هكذا نرى كيف تبدأ الأمور في الأول بالقوة الناعمة وبالقروض المالية التي ما تلبث أن تتحول إلى مقايضة بالمواد الأولية، ثم تنتهي القضية بالقواعد العسكرية‪.‬
وهذا طبيعي جدا، فمستقبل العالم يتحدد في إفريقيا، ومن لم يفهم هذه الخلاصة فإنه يعيش خارج التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى