شوف تشوف

شوف تشوف

لهذا إفريقيا ستحكم العالم 2.1

من لم يفهم أن الصراع الحقيقي بين الغرب الأمريكي والنمور الآسيوية ودول أوروبا ذات الماضي الإمبريالي هو صراع حول من سيستولي على القارة الإفريقية فإنه لم يفهم شيئًا بعد.
وكما كانت إفريقيا هي مهد البشرية فإن مستقبل العالم والبشرية يوجد اليوم في إفريقيا، ومن أجل السطو على خيراتها فإن القوى العالمية مستعدة لفعل أي شيء.
منذ بدء انتشار الجائحة حذر بيل غيتس أكبر ملياردير في العالم من أن الفيروس سيتسبب في كارثة إنسانية في إفريقيا، وبعد ذلك خرجت زوجته لكي تحذر من أن الجثث سوف تملأ شوارع المدن الإفريقية. في غضون هذا الوقت ظلت نسب الإصابة في بلدان إفريقيا نسبية فيما تراكمت الجثث في مشارح نيويورك وفي مقابرها الجماعية.
علينا هنا أن نتذكر كيف تدخلت أمريكا خلال اندلاع أزمة فيروس إيبولا سنة 2014 وكيف استغلت الوضع وأرسلت 3000 جندي من المارينز إلى ليبيريا بعدما تم تسجيل حالة إصابة واحدة في أمريكا.
الحق في التدخل، أو كما يسميه مكتشف هذا “الحق” بيرنار كوشنير مؤسس أطباء بلا حدود le droit d’ingérence، يعطي للدول القوية حق التدخل في الشأن الداخلي للبلدان الضعيفة تحت ذريعة إنقاذ شعوبها من طاغية أو مرض أو أزمة اقتصادية. والواقع أن هذه الأسباب مجرد ذرائع لأن الهدف الحقيقي هو الاستعمار.
وفي أوروبا هناك نغمة بدأنا نسمعها اليوم عند بعض الرؤساء، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي ماكرون، تدعو إلى إلغاء جميع ديون إفريقيا بسبب جائحة كورونا.
البعض سيعتبر هذا سخاء فرنسيا، والحال أن هذه الدعوة جاءت مباشرة بعدما دعا الملك محمد السادس القادة الأفارقة لإطلاق مبادرة إفريقية لمواجهة جائحة كورونا.
أي أن الملك يدعو لتأسيس مشروع إفريقي مشترك لخوض المعركة ضد الفيروس وليس انتظار أن تمنحنا أوروبا أو الغرب مبادرات من عندها للقيام بذلك.
لقد كان الملك دائما مؤمنا بأن الأفارقة يجب أن يمسكوا بزمام مصيرهم بأنفسهم وأن يؤسسوا مشروعهم المشترك بدون انتظار تعليمات أو أوامر أو مقترحات الدول الأمبريالية التي تسببت في تفقيرهم وتهجير شعوبهم.
وبما أن فرنسا تعتبر المغرب منافسًا شرسا في إفريقيا فهي تحرك كل عتادها الدبلوماسي والإعلامي لكي تعرقل كل مبادرة يقودها المغرب داخل إفريقيا.
وطبعا لدى فرنسا وحلفائها، خصوصا إسرائيل، القدرة على تحريك دواليب الآلة الدعائية لبعض خصوم المغرب العرب والخليجيين الذين لديهم حسابات وعقد نفسية مع المغرب والذين يحرسون مصالح قوى عالمية في إفريقيا ويشترون الموانئ نيابة عنهم، لكي يقوموا بالحرب الإعلامية ضد المغرب بالوكالة عبر ذبابهم الإلكتروني الذي لم يعد يخفى مصدر طنينه على أحد.
وقد رأينا كيف بدأت وسائل الإعلام الفرنسية الرصينة تعترف للمغرب بالريادة في مواجهة كورونا، وعلى رأسها جريدة لوكانار أونشيني le canard enchaîné التي تركت سخريتها السوداء جانبا لكي تدعو حكومة ماكرون للاقتداء بالمغرب في التدابير التي اتخذها للحد من وباء كورونا، خصوصا في ما يتعلق بتصنيع الكمامات محليا وتجهيز رجال السلطة والعاملين في القطاع الصحي بها وتوفيرها للمواطنين بسعر بخس.
وإذا اعترفت لك بقيمتك هذه الجريدة وحدها، التي تعودت إسقاط رؤوس الوزراء والرؤساء، فلا يهمك أن تبخس قيمتك جريدة كلوموند كان يسميها دوغول “مسائية فيشي”، نسبة إلى الحكومة الفرنسية العميلة للفاشية الألمانية زمن الاحتلال.
وبالإضافة إلى عرقلة جهود المغرب داخل القارة يخوض ماكرون حربا أخرى ضد الصين التي عرفت كيف تعزز وجودها داخل القارة خلال هذه الأزمة بنهجها سياسة “الدبلوماسية الصحية”، وذلك بإرسال الطائرات المحملة بالإعانات الطبية للدول الإفريقية.
ولذلك فعندما يطالب ماكرون بإلغاء قروض الدول الإفريقية فهو يستهدف الصين لكون هذه الأخيرة هي أكبر دائن لإفريقيا، حيث إن 20% من إجمالي الديون الخارجية للحكومات الإفريقية مصدرها الصين، أي أكثر من نصف إجمالي الديون السيادية الإفريقية المستحقة للحكومات الأجنبية.
وهكذا إذا تم تمرير قرار إلغاء ديون الدول الإفريقية فإن ذلك سيعتبر ضربة موجعة للصين على مستويين، أولًا على المستوى المالي بحيث ستفقد الصين عائدات مالية مهمة نظير استثمارها في الديون، ثانيًا ستفقد أداة ضغط على الدول الإفريقية بعدما سيتم تحريرها من قيود والتزامات القروض، وستظهر أوروبا، وعلى رأسها فرنسا، بمثابة محررة عوض كونها إمبريالية مقنعة.
علينا أن نعرف أن الصين ليست مؤسسة خيرية، ولذلك فعندما تقدم المال فبالتأكيد لأنها تنتظر عائدات، فعن كل القروض التي تمنحها للدول الإفريقية تحقق أرباحا من خلال الفوائد.
وبالنسبة للصين، تعد إفريقيا مجالا خصبا لقدرات التمويل الهائلة التي تمتلكها، وبالنسبة للدول الإفريقية يعد المال فرصة نادرة لتلبية احتياجاتها في البنى التحتية الضخمة، وبالتالي تحفيز وخلق النمو والتنمية.
والواقع أن هناك سببين أساسيين وراء أهمية القروض الصينية لإفريقيا، الأول هو أنها تتكيف بشكل خاص مع احتياجات بعض البلدان الإفريقية، على عكس البنك الدولي، وعلى سبيل المثال فإن الصين لا تهتم بالأوضاع السياسية للدول التي تقرضها، فأن يكون النظام نظامًا عسكريا أو دكتاتوريا أو رجعيا فهذا آخر ما يشغل بال بكين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى