د. خالد فتحي
لا يمكن أن تنسينا خسارة المنتخب في ثمن نهاية «الكان» مشواره الجميل، ولا عطاءه المتميز المبهر خلال كأس العالم الأخيرة بقطر اللذين رفعا رأسنا زهوا وافتخارا. فرغم كل شيء، ورغم الحزن والصمت اللذين أطبقا على البيوت، يبقى منتخبنا هذا منتخبا رفيعا عز نظيره. منتخبا حقق لنا ما لم يسبقه إليه أي منتخب قبله.
الكرة في رأيي لعبة ديمقراطية حقيقية، ومباراة المغرب وإفريقيا الجنوبية تؤكد هذه الفضيلة أو هذه القاعدة البليغة، لأنها على الأقل تظل أحسن كثيرا من كثير من الانتخابات «الديمقراطية» المخدومة التي تجري ببقاع شتى من هذا العالم الفسيح، ولذلك، هي على الأقل، تظل تحمل في ثناياها دائما عنصر المفاجأة مادمنا لا نقدر أبدا أن نجزم بنتائجها قبل أن تنتهي المباراة وتعلن النتيجة.
فهذا العجز البين عن عدم توقع نتائجها هو ما يصنع كل هذا التعلق والوله الشعبي بها.
ثم إنه لأول مرة يحدث لي أن يضيع لاعب مغربي ضربة جزاء في لحظة مصيرية من مقابلة مقطعية، فلا أجزع على المغاربة، وأجزع لشعور حكيمي، وأنسى اللقطة المخيبة للرجاء، وأركز على الأسى القاتل الذي غزا محيا الرجل. هو لم يقصر أبدا، وهو من وفى ومن أبلى وكفى، وبذل كله من أجل بلده. فماذا يا تراه فعل بنا هذا المنتخب الذي نحبه في كل أحواله.
وليد الركراكي في ندوته عقب المباراة ظل بدوره ثابتا، وفي لحظات الانكسار والشدائد يعرف المعدن الذهبي للرواد. لقد تحمل دون تردد مسؤولية اختياراته وقراراته، وهذا درس آخر يسديه لغيره بعد درس «ديروا النية» لمن يرفضون تقديم الحساب، ويهربون إلى الأمام رغم الحصيلة الكارثية التي يحققونها في المجالات التي يشرفون عليها والتي قد تكون أشد خطرا من كرة القدم. هذا المدرب أعطى دروسا في النصر وفي الهزيمة. ثقافة الاعتراف بالخطأ تنقصنا أيضا.
والآن يجب أن لا نبخس المنتخب الوطني قيمته، فلا نسارع إلى تأبين تجربة بصمت عليها كوكبة رائعة من اللاعبين الموهوبين ممن قام لهم العالم وقعد. لذا وجب علينا أن نكون متضامنين معهم في السراء والضراء.
ومع ذلك أتى الوقت لكي نخفف الضغط وننزل هذا المنتخب من قصائد الغزل التي ننظمها له، فنحن نظلمه حين نطلب منه أن يأتينا بخوارق الأمور، وحين نرفض أن نراه خاسرا. فالخسارة أحيانا مفيدة لالتقاط الأنفاس وممارسة النقد الذاتي والتخلص من بعض الغرور والخيلاء. هو منتخب من رجال من لحم ودم، يسجل ويسجل عليه ولذلك هو ينتصر وينهزم كباقي المنتخبات، يمسك حارسه ركلات الجزاء ويضيع أحسن هدافيه الضربات والفرص. وباختصار هو منتخب له أن يفرح وأن يحزننا كباقي المنتخبات القوية للشعوب المتقدمة كرويا.
ليست نهاية العالم، وليست نكسة، منتخبات كبيرة خرجت من المنافسة، بل إن كل منتخبات شمال إفريقيا لم تتجاوز عتبة ثمن النهاية في أحسن الأحوال. هل هي صدفة؟ لا أعتقد ذلك. هو الجو والمناخ إذن الذي شكل اللاعب الثاني عشر لكل منتخبات إفريقيا جنوب الصحراء. «الكان» المقبلة ستكون على أرض المغرب بعد سنتين فقط، وسيكون هذا العامل حينذاك حليفنا لنا نحن كي نسعد المغاربة بالتتويج الإفريقي الذي طالما حلمنا به.
لنكن إيجابيين وننظر إلى الجزء المملوء من الكأس، قد حانت لحظة الوفاء لهذا المنتخب الفذ، إذ رغم خروجنا مبكرا من التظاهرة، علينا أن لا ننسى أن منتخبنا ملأ إفريقيا وشغل ناسها حتى خلال هذه «الكان»، وكان محط اهتمام كل وسائل الإعلام بساحل العاج. لقد كان منتخبا له هيبة، يستعد له غرماؤه بكل ما يملكون من جهد وقوة. المنتخب الذي يعتبر الفوز عليه إنجازا يعادل الفوز على الأرجنتين أو فرنسا بكأس العالم.
خسرنا مباراة، وخسارة واحدة لا تعني أن كل البناء قد انهدم، فحتما ستستمر المدرسة المغربية لكرة القدم قوية جبارة ملهمة للآخرين، وستظل بالخصوص نموذجا يحتذى لكل إفريقيا التي رأينا كيف ارتفع مستوى كأسها مباشرة بعد وصولنا نحن المغاربة للمربع الذهبي لكأس العالم.
لن نجلد أنفسنا، ولكننا حتما سنسعى لنخرج منتصرين من الهزيمة بأن نجلس، ونقيم المسار، لمزيد من التألق والتميز.
رجاء لا تظنوننا عاطفيين، نحن فقط عقلانيون.