شوف تشوف

الرأي

لماذا يغادرون بهذه الطريقة؟

يونس جنوحي
ربما لم ينتبه الذين يهتمون لحال هذا البلد، إلى تحركات مكثفة لعدد من الشبان المغاربة بحثا عن أي طريقة لمغادرة المغرب. ورغم أن «المقدمين» و»الشيوخ» يحاولون رصد تحركات الجميع ولا توضع «ياجورة» واحدة في سطح منزل بحي شعبي، إلا بعلمهم وإذنهم، إلا أنه فاتهم أن يتابعوا اهتمامات ملايين الشباب المغاربة الذين تبدأ الحياة عندهم ما بعد منتصف الليل بحثا عن أي طريقة أو منفذ لمغادرة المغرب ولو نحو المجهول.
لقد كان كارثيا سنة 2011 أن يأتي مئات الشبان إلى مقر القنصلية الليبية في الدار البيضاء، على مرمى حجر من كبريات الشركات الوطنية في شارع الجيش الملكي، لكي يضعوا أوراق طلبهم التأشيرة إلى ليبيا التي كانت بلد حرب، لكنهم فضلوا البحث فيها عن عمل ما أو طريقة للعبور إلى إيطاليا، على أن يحاولوا البحث عن عمل في المغرب.
وقبل ثلاثة أشهر تقريبا، وضعت شركة أوربية إعلانا بالتنسيق مع المكتب المختص بإنعاش الكفاءات في المغرب، تعلن فيه رغبتها بجلب يد عاملة مغربية في مجال الفلاحة، وفوجئوا بأن المرشحين يفوقون المتوقع بآلاف المرات. جمع غفير من الشباب في سن العطاء، وضعوا طلبات للعمل في الحقول لفترة محددة ربما لن يروا فيها أي مدينة أوربية، وسوف تتم إعادتهم إلى المغرب مباشرة بعد انتهاء مهمتهم في الضيعات.
وخلال الأسبوع الذي ودعناه، انتشر خبر عن فتح معرض للتواصل مع الطلبة المغاربة بشأن آفاق وإمكانية الدراسة بالخارج. وفوجئ المنظمون في مدينة طنجة وحدها بعدد غفير جدا من الطلبة والتلاميذ، أمطروهم بوابل من الأسئلة.
السفير الألماني في الرباط، قال بكل أسف إنه غير قادر على منح تأشيرة الدراسة للمغاربة نظرا للحالات الكثيرة التي يخرق فيها الحاصلون على تلك الفيزا الخاصة بالدراسة القانون، ويستقرون في ألمانيا بشكل نهائي، وبعضهم لا يحضرون ولو حصة دراسية واحدة، رغم أن التأشيرة التي مُنحت لهم خاصة أساسا بالدراسة.
لم يتساءل ولا سياسي مغربي واحد، عن السبب الذي يجعل كل هؤلاء الشبان المغاربة يفكرون في الهجرة بهذه الطريقة «العجيبة» ويبذلون كل الوسائل والطرق للعبور إلى الضفة الأخرى ولو بدون ضمانات.
أما هجرة الأطر العليا، والأدمغة كما يقال، فموضوع آخر ربما يلزمنا الكثير من الحفر في علم الاجتماع لكي نقف على أبعاد الموضوع، رغم أنه مرتبط أساسا بالواقع الاقتصادي والاجتماعي. الحكومة السابقة قتلت روح مؤسسات الدولة وعبر رئيسها بشكل صريح عن أنه لا يملك حلولا لأزمات القطاع العمومي وأن زمن تفويت تدبيرها للقطاع الخاص قد حان. أي بلغة أخرى: لا شيء مجاني ولا شيء حكومي. لكن، بالمقابل، يتعين على المغربي أداء الضرائب ودفعها منذ استيقاظه إلى أن يخلد إلى النوم، دون أن يستفيد من أي خدمة مجانية تتعلق براحته أو بمستقبل أولاده.
الحكومة تركز أساسا على الطبقات الهشة التي تطمح في مغادرة الكاريان نحو شقق السكن الاقتصادي، حيث يحصل الابن الأكبر على دراجة نارية ثلاثية العجلات لنقل البضائع والركاب وأشياء أخرى أيضا، ويكابدون للحصول على بطاقة «راميد» رغم أن مجانية التطبيب في دول أخرى ليست أفضل من المغرب، تبقى أمرا مفروغا منه وغير خاضع لأي مزايدات انتخابية أو سياسية.
هناك طلبة مغاربة يتركون كل شيء وراءهم ويتعلمون لغات مثل التركية أو النرويجية، وأحيانا لغات أخرى كالصينية، في سبيل الحصول على تأشيرة الدراسة بتلك الدول. ثم لا يعودون أبدا إلا بزوجة في اليد وعربة أطفال بها توأم في الغالب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى