إعداد محمد اليوبي- كريم أمزيان
رغم أن الفصل الخامس من الدستور الجديد حسم في الجدل الذي أثير حول ترسيم اللغة الأمازيغية، وهو ما اعتبره المدافعون عنها لغة وثقافة وهوية، مكسبا هاما لا يجب الاستهانة به، فإن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، لم يتقدم أي خطوة بهذا الشأن، ما يبرز أن هناك تحديات كبيرة على مستوى الأجرأة والتفعيل، من خلال تأخره في إحالة مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ووضعه في ذيل المخطط التشريعي، وتأجيل إحالته على المجلس الوزاري، ما جعل جمعيات أمازيغية، تجاوز عددها الـ800، تتنبأ بأن ذلك لن يتم في هذه الولاية الحكومية، التي لم يتبق من عمرها سوى بضعة أشهر، وقد يتم تأجيله إلى الولاية الحكومية المقبلة، ويصبح بذلك سؤال: لماذا يرفض بنكيران ترسيم الأمازيغية؟ مشروعاً.
لعل البيانات والبلاغات التي يصدرها عدد من الجمعيات الأمازيغية، بعد أربع سنوات من ولاية الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أكبر دليل على فشل الحكومة في ترسيم الأمازيغية، إذ لا تجد الجمعيات أي حرج في التأكيد، وفق ما تعتبره، «تقييماً موضوعياً مبنيا على جرد القرارات الحكومية المرتبطة بالأمازيغية»، على أن حصيلة حكومة عبد الإله بنكيران «سلبية وسوداوية» بالنسبة إلى الأمازيغية في جميع القطاعات التي يشرف عليها وزراء حزبه «العدالة والتنمية» ووزراء بقية أحزاب الأغلبية الحكومية، وترى أنه رغم التوجيهات الملكية المؤكدة على وجوب الإسراع في تفعيل رسمية الأمازيغية، فإن هناك تأخرا كبيرا لتفعيل مضامين الدستور، والالتزام بالمخطط التشريعي، الذي التزمت به الحكومة في برنامجها. وحتى مبادرات الأحزاب في هذا الصدد، تراها محتشمة، فحزب التجمع الوطني للأحرار، مثلاً الذي كان قد تقدم بمقترح قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، المقرر في الدستور، بعد أن كان سباقا إلى وضع سؤال شفوي تحت قبة البرلمان بالأمازيغية، عبر النائبة البرلمانية فاطمة شاهو المعروفة بـ«تباعمرانت»، وهو السؤال الذي خلف حرجا كبيرا لدى مكونات الحكومة والأغلبية، خاصة حزبي العدالة والتنمية والاستقلال، اللذين اعترضا آنذاك على الأمر بشدة، قبل أن يقدم على سحبه في سرية تامة، وهو الأمر نفسه الذي سجلته فعاليات أمازيغية بخصوص حزب الحركة الشعبية الذي يعتبر مناضلوه أنفسهم، الأوائل المدافعين عن ترسيمها، لكنهم، وفق ما يؤكدون، اصطدموا بقرار المحكمة الدستورية، الذي ينص على أن القوانين التنظيمية، بالنظر إلى طبيعتها، التي تعتبرها مكملة للدستور، فهي توضع على شكل مشاريع وليس مقترحات، سعت إلى سحبه، وهي الصيغة التي يسعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى سلكها، أيضاً خصوصاً بعد ما شهده مجلس المستشارين خلال جلسة الأسئلة الشفوية يوم الثلاثاء الماضي، من جدل بسبب وضع مستشار عن فريق حزب الأصالة والمعاصرة، سؤالاً باللغة الأمازيغية، موجهاً إلى وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، ويتعلق بتعديل اتفاقية الضمان الاجتماعي لفائدة الجالية المغربية بهولندا.
كل هذه المبادرات تعتبرها الجمعيات المدافعة عن ترسيم الأمازيغية، وتنزيل الدستور في الجانب المتعلق بها، مجرد مزايدات سياسية، على قضية حسمها الدستور، وأمر الملك بتنزيل مقتضياته، في حين أن الحكومة سجلت ارتباكاً وتأخراً ملحوظاً تخشى أن يكون متعمداً.
حين شبه بنكيران حرف «تيفيناغ» بحروف «الشينوية»
بعد الإعلان عن تشكيل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والجدل الذي أثاره الخلاف حول كتابة هذه اللغة، اندلعت حرب بين الإسلاميين والأمازيغيين، اصطلح عليها حرب «الحرف». ففي ظل الخلاف الذي كان بين الجمعيات الأمازيغية حول الحرف الذي سيتم اعتماده رسميا في كتابة الأمازيغية، ظهر خطاب الحركة الإسلامية، الذي طالب بكتابة هذه اللغة بالحرف العربي. ومن بين الأحزاب التي عبرت عن هذا المطلب، حزب العدالة والتنمية، إذ اعتبر القيادي في الحزب سعد الدين العثماني، آنذاك، أن كتابة الأمازيغية بالخط اللاتيني تشكل قطيعة مع إرث تاريخي وحضاري أمازيغي يهم المغاربة كلهم، وأن الدعوة إلى استعمال الخط اللاتيني في ذلك، لا تخرج عن سياق الرغبة في الاندماج في الحضارة الغربية مقابل الانسلاخ عن الحضارة العربية والإسلامية. واستغل العثماني- حينئذ- ندوة نظمها طلبة حركة التوحيد والإصلاح بمكناس، لتوجيه أصابع الاتهام إلى عدد من الجمعيات الأمازيغية بتلقي أموال من جهات معينة للدعوة إلى اعتماد الحرف اللاتيني.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد خلفت تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، خلال الحملة الانتخابية، موجة استنكار في أوساط الأمازيغيين، عندما شبه حرف «تيفيناغ»، المعتمد رسميا في كتابة الأمازيغية، بحروف «الشينوية»، واعتبر الذين يدافعون عن كتابة الأمازيغية بغير الحرف العربي أعداء الأمازيغية. ودعا بنكيران إلى جعل تنزيل القوانين التنظيمية مناسبة لإعادة النظر في حرف كتابة الأمازيغية. ففي أحد المهرجانات الخطابية، بمناسبة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بمدينة سلا، خلال الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011، أثار عبد الإله بنكيران قضية الحرف الأمازيغي، وقال في كلمته إنه أثناء مناقشة القوانين التنظيمية لترسيم اللغة الأمازيغية، سنحسم في الحرف الذي ستكتب به اللغة الأمازيغية، هل ستكون بالحروف مثل «الشينوية»، في إشارة إلى حرف «تيفيناغ» المعتمد رسميا من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أم بالحروف العربية؟ وشرع بنكيران يقرأ لافتة في المهرجان مكتوبة باللغة الأمازيغية لكن بالحرف العربي، وقال إذا كانت هذه اللافتة مكتوبة بحروف «التيفيناغ»، أتحدى عبد الله باها أن يقرأها رغم أنه أمازيغي، وإذا قرأها، قال بنكيران، «سأقدم استقالتي من الحزب». واعتبر بنكيران الأمازيغية المكتوبة بالحروف العربية هي «الشلحة ديال المعقول، أما الأمازيغية الأخرى الله أعلم أصحابها شنو باغيين»، مؤكدا أن أول امتحان سيجتازه هؤلاء هو بأي حرف ستكتب الأمازيغية، إذا كتبت بالعربية فهذا «معناه أنهم يريدون المعقول»، أما إذا أصروا على كتابتها بلغة أخرى، فمعنى هذا أنهم أنفسهم أعداء الأمازيغية ويريدون التشويش على العربية.
الحركة الشعبية تطالب بتشكيل لجنة ملكية لتنزيل ترسيم الأمازيغية
كان رهان المغاربة قويا على هذه الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، لكن بعد مرور أربع سنوات على تعيين رئيس الحكومة، ومع اقتراب نهاية ولاية الحكومة الحالية التي يقودها عبد الإله بنكيران، فشل هذا الأخير في هذه المهمة. ويسود تخوف كبير في أوساط الأحزاب السياسية من عجز الحكومة الحالية عن استكمال الورش الدستوري، الذي انطلق مع الربيع الديمقراطي المغربي، وهو الربيع الذي أوصل بنكيران إلى صدارة الانتخابات التشريعية التي خولت له قيادة الحكومة الحالية، خاصة أنه بعد مرور خمس سنوات من عمر الحكومة الحالية لم تنجح في تنزيل أهم القوانين المنصوص عليها في الدستور، واستكمال بناء المؤسسات الدستورية الجديدة.
وأمام تلكؤ الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، دعا الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للسنة التشريعية الحالية، أمام أعضاء مجلسي النواب والمستشارين، إلى الإسراع بالمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة عليه. وقال الملك: «إن ما ينتظركم من عمل، خلال هذه السنة، لاستكمال إقامة المؤسسات، لا يستحمل إضاعة الوقت في الصراعات الهامشية»، مضيفا أن «مشاريع النصوص القانونية التي ستعرض عليكم شديدة الأهمية والحساسية. لذا ارتأينا أن نذكر الحكومة والبرلمان بضرورة الالتزام بأحكام الفصل 86 من الدستور، الذي يحدد نهاية هذه الولاية التشريعية كآخر أجل لعرض القوانين التنظيمية على مصادقة البرلمان»، وذكر الملك على سبيل المثال مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وممارسة حق الإضراب ومجلس الوصاية، وأكد الملك محمد السادس أن هذه «القضايا الوطنية الكبرى تتطلب منكم جميعا، أغلبية ومعارضة، حكومة وبرلمانا، تغليب روح التوافق الإيجابي والابتعاد عن المزايدات السياسية». وأشار الملك في خطابه إلى أنه في ما يخص مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لتقوم مستقبلا بوظيفتها، يجب استحضار أن العربية والأمازيغية كانتا دائما عنصر وحدة، ولن تكونا أبدا سببا للصراع أو الانقسام. أما المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، «فإن الأمر يتعلق بإقامة مجلس يضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات وليس وضع هيكل عام لمؤسسات مستقلة»، بحسب الخطاب الملكي.
وكشفت مصادر من الأغلبية الحكومية وجود خلافات عميقة داخل البيت الحكومي حول تنزيل القانون التنظيمي للأمازيغية المنصوص عليه في الدستور الجديد، ما دفع حزب الحركة الشعبية إلى التمرد على حلفائه داخل الأغلبية، والمطالبة بسحب الملف من يد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، وتشكيل لجنة ملكية لوضع قانون متوافق عليه. وتحدثت المصادر عن وجود غضب في أوساط حزب «السنبلة»، لعدم التزام الحكومة بوضع إجراءات ضمن قانون المالية لسنة 2016 لتفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية.
وأكد امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، في أكثر من مناسبة، أن موقف الحزب حاليا هو تشكيل لجنة موسعة تحت إشراف الملك محمد السادس، من أجل إخراج القانون التنظيمي للأمازيغية، وتنزيل ترسيم هذه اللغة التي أصبحت لغة وطنية رسمية وفق الدستور الجديد.
واستند العنصر في مطالبته بـ«التحكيم الملكي» على ما وقع في وقت سابق بخصوص عدد من القضايا، ليكون هناك توافق، ونفى العنصر وجود أي مشروع قانون لدى الحكومة حول الأمازيغية، كما أنه لم تقرر أي إجراء حاليا لتنزيل ترسيم هذه اللغة.
عدي السباعي، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، والمكلف بالإشراف على ملف الأمازيغية، أوضح أن الدستور نقل الأمازيغية من المغرب الشعبي إلى المغرب الرسمي، والملكية هي الجهة الأجدر بتفعيل أحكامها الدستورية، مشيرا إلى أن المشكلة ليست في مضمون القانون فثمة عدة مقترحات جاهزة، ويمكن تحويلها إلى مشروع قانون موحد، لكن المشكلة في الجهة التي ستتولى إصداره. وأكد السباعي أن الحكومة، «التي لم تول بعد مع الأسف، الاهتمام اللازم لهذا الملف الحساس، وضعت هذا المشروع في ذيل مخططها التشريعي وحددت له أجلا زمنيا يمتد ما بين 2013 و2015 دون تحديد، مع ترك المخطط للجهة المعنية به في حكم المجهول، حيث نص على أن رئاسة الحكومة ستحددها مستقبلا، وهذا مؤشر سلبي أتمنى أن تعمل الحكومة على تصحيحه».
مواقف متضاربة لقادة حزب العدالة والتنمية من ترسيم الأمازيغية
ينص الدستور الجديد لأول مرة على ترسيم اللغة الأمازيغية، لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، لكن الحكومة وبعد أربع سنوات من تنصيبها لازالت لم تصدر القانون التنظيمي المتعلق بترسيم الأمازيغية لغة وثقافة داخل المجتمع، ما يثير أسئلة مقلقة حول موقف حزب العدالة والتنمية من الأمازيغية، خاصة أن مشروع القانون جاء في ذيل المخطط التشريعي، الذي وضعته الحكومة في بداية ولايتها، كما شهد أحد اجتماعات لجنة الثقافة والاتصال والتعليم بمجلس النواب، نقاشا حادا بين نواب العدالة والتنمية ونواب الأصالة والمعاصرة، بعد مطالبة نواب العدالة والتنمية بوقف استخدام حروف «تيفيناغ»، والعودة إلى استعمال الحرف العربي.
وبالعودة إلى خطابات الحزب، يتضح أنه بعد التنصيص على ترسيم اللغة الأمازيغية، في الدستور الجديد، غير حزب العدالة والتنمية موقفه من هذه اللغة، وأصبح يطالب بإصدار القوانين التنظيمية لترسيمها. وقال سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب، في مقال نشره الإعلام الرسمي للعدالة والتنمية، إن التنصيص الدستوري على الأمازيغية لغة رسمية، يعد من أقوى التعديلات التي أتى بها الدستور الجديد، وأصبح لزاما على الجميع الانخراط في ورش إعادة الاعتبار لها وتنميتها وتبويئها المكانة اللائقة بها، وأكد أن الاهتمام بالأمازيغية مسؤولية مشتركة لجميع المغاربة، وليست قضية الأمازيغ منهم فقط، وأضاف «على الجميع أن يحس بالضرر الذي وقع عليها طيلة العقود الأخيرة، وبأن موقعها اليوم دون ما تستحقه بكثير»، وأضاف، «لا يمكننا الحديث اليوم في مغرب ما بعد دستور 2011 عن الديمقراطية وفي نفس الوقت نقصي الأمازيغية ثقافة ولغة».
لكن مداخلة ألقاها زميله في الحزب، لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة بنكيران، خلال انعقاد يوم دراسي بمجلس المستشارين، حول موضوع «تدبير اللغات وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في ضوء الدستور»، خلفت ردود فعل قوية في أوساط الجمعيات الأمازيغية التي اتهمت الحزب الإسلامي بمعاداة الأمازيغية.
وأصدر التجمع العالمي الأمازيغي بيانا حول تصريحات وزراء حزب العدالة والتنمية عن الأمازيغية، حيث استنكر التجمع ما ورد في مداخلة الوزير الداودي، والتي تطرق فيها إلى إحياء خطاب الانفتاح على الأمازيغية في إطار الهوية العربية الإسلامية، وهو ما اعتبره بيان التجمع الأمازيغي «محاولة لتسفيه كل ما تمت مراكمته في أكثر من عقد حول اللغة الأمازيغية»، منددا بمحاولة حزب العدالة والتنمية إعادة الأمازيغية إلى نقطة الصفر، وذلك بالسعي إلى فتح نقاش من جديد حول حرف كتابة الأمازيغية، وأكد التجمع العالمي الأمازيغي على أن الحركة الأمازيغية ليست في موقف ضعف وحذرت من مغبة، ما أسموه، بالممارسات السياسوية الرخيصة ومن التصريحات العنصرية التي تهدد استقرار البلاد، داعيا حزب العدالة والتنمية إلى الاعتذار وتوضيح موقفه وتصريحاته المتناقضة والمعادية للأمازيغية. وقبلها، شهدت العلاقة المتوترة أصلا بين الإسلاميين والأمازيغيين، تصعيدا غير مسبوق في الآونة الأخيرة، وصلت إلى حد تبادل الاتهامات والتكفير والتهديد بالقتل، وما زاد من حدة هذا التصعيد، ما جاء على لسان أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح الذراع الإيديولوجي لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يتحدث في الدوحة أمام أفراد من الجالية المغربية بقطر، في محاضرة تحت عنوان «عناصر الوحدة الإسلامية»، إن ما يسمى بالحركة الأمازيغية في المغرب مصحوبة بنزعة عدائية شديدة ضد العروبة والإسلام، وخلفت هذه التصريحات ردود أفعال قوية في أوساط الجمعيات الأمازيغية التي اعتبرت هذه التصريحات بأنها عنصرية اتجاه المغاربة الأمازيغ.
وبالعودة إلى تصريحات الريسوني التي أشعلت الصراع بين الحركة الإسلامية والحركة الأمازيغية، فقد حذر القيادي السابق لحركة التوحيد والإصلاح مما أسماها «النزعة الأمازيغية العدائية»، التي يتبناها بعض نشطاء الحركة الأمازيغية في المغرب، واتهم أصحاب هذه النزعة بتبني فكر هدام ضد العروبة وضد الدين، وضد الوحدة الوطنية، وتمنى الريسوني أن تنكسر هذه النزعة، ويعود أصحابها إلى الاعتدال، وتساءل هل هؤلاء يريدون أن يقودونا إلى مصير «الهوتو والتوتسي».
جمعيات أمازيغية تقرر التصعيد في وجه الحكومة
يبدو أن الجمعيات الأمازيغية لم يبق لها سوى التصعيد في وجه عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، في خطوة جريئة، من شأنها أن تسبب له إحراجاً كبيراً، في آخر سنة من ولايته الحكومية. فبعدما وجهت 800 جمعية أمازيغية وتنسيقية حقوقية ونسائية، مذكرة مشتركة، إلى رئيس الحكومة وجميع الوزراء ورئيسي مجلس النواب والمستشارين والأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية والمركزيات النقابية، تطالبهم من خلالها بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، عبر إقرار مقتضيات صريحة تساوي بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، بدأت هذه الجمعيات بتدارس خطة جديدة تكون السبيل الوحيد للضغط على الحكومة، من أجل ترسيم الأمازيغية، بعد دسترتها، على الرغم من أن كثيرين يؤكدون أن الأشهر القليلة المتبقية من عمر الحكومة، غير كافية لذلك.
ففي الوقت الذي لم تفرج الحكومة بعد عن مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، بعد أربع سنوات من ترسيمها في الدستور، كشف بعض ممثلي الجمعيات المذكورة، مضمون المذكرة التي تم توجيهها إلى بنكيران، والتي تحتوي على مطالب عدة، من بينها مطلب اعتبرته أساسياً، متعلق بتنزيل القانون التنظيمي للأمازيغية المنصوص عليه في الدستور الجديد، احتراماً لصدارته لجميع القوانين التنظيمية المقررة بالوثيقة الدستورية، واضعة من خلالها الحدود الدنيا التي تطلبها الجمعيات في القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية، أولها إقرار الأمازيغية والعربية متساويتين في مختلف أشكال التداول والتواصل والترافع وفي جميع دواليب الدولة، ومختلف مجالات الحياة العامة، والتنصيص على كون اللغة العربية واللغة الأمازيغية متساويتين في الاستفادة من الموارد المالية والبشرية المؤهلة في مختلف المجالات والقطاعات، وكذا إحداث مؤسسات معنية بأجرأة ومرافقة خطوات تنفيذ القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية، بمختلف الوزارات والقطاعات الحكومية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
هذا ولم تستبعد الجمعيات الـ 800 التي انضوت تحت اسم «المبادرة المدنية من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية»، اتخاذ خطوات أكثر تصعيداً، من أجل الضغط على الحكومة لتفعيل ما جاء في المذكرة التي أكدت أن من حق المواطن المغربي الاستفادة من المعارف العلمية والروحية والأدبية والفنية والفلسفية بالأمازيغية ومحاربة الأمية بها، وهو ما يتطلب، بحسبها، مأسسة الأمازيغية وتأهيلها، وتوفير الوسائل الحديثة للإعلام والتواصل من أجل تمكين الإنسان المغربي من التمتع بها، مشددة على أن من واجب الدولة، قبل مطالبة المواطن المغربي بالقيام بواجباته، أن توفر له الظروف اللازمة للتعبير عن كفاءاته بالأمازيغية، للاشتغال بها وتطويرها وجعلها أحد المعابر الأساسية لقيامه بواجباته، مع إدراج الأمازيغية في مختلف قطاعات الحياة العامة بنظرة شمولية تراعي تعديل كل المضامين المكرسة للميز، سواء في التعليم أو الإعلام أو الإدارة.
وأشارت المذكرة التي (حصلت «الأخبار» على نسخة منها)، إلى أن الجمعيات المذكورة تلفت الانتباه إلى ضرورة إعطاء الأهمية للمكتسبات التربوية والديداكتيكية، خصوصاً تلك المتعلقة باللغة الأمازيغية الموحدة والمعممة أفقياً وعمودياً، وبإلزاميتها في التعليم بكل أسلاكه، وبحروفها الأصلي «تيفيناغ»، وبإحداث شعب ومسالك وتخصصات وتكوينات في مختلف الجامعات والكليات، مع ملاءمة البرامج التعليمية لتتماشى مع الدستور، وخاصة منها ما يتعلق بإعادة النظر في تدريس تاريخ المغرب، انطلاقاً من قراءة جديدة علمية وموضوعية.
محمد الأعرج: “ترسيم الأمازيغية قد يتأخر إلى المخطط التشريعي الذي ستسهر عليه الحكومة المقبلة”
بماذا تفسرون تأخر الحكومة في ترسيم الأمازيغية؟
طبيعة هذا القانون التنظيمي تقتضي المقاربة التشاركية وفق منهجية توافق الدولة وجميع القوى السياسية والمجتمعية والمدنية، وهو ما يفسر وضع هذا القانون التنظيمي في ذيل المخطط التشريعي، الذي يتناسب مع الوقت الأخير من هذه الولاية. ويجب استحضار ما تنص عليه المادة 86 من الدستور الجديد، التي تؤكد على أن القوانين التنظيمية، يجب أن تحال ضمن هذه الولاية. وتأخر الحكومة في ذلك يعود إلى سعيها للعمل وفقاً للمقاربة التشاركية، التي فتحتها مع عدد من الجهات، التي يهمها الموضوع. ولا بد من الرجوع خلال الحديث عن هذا الموضوع، إلى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من الدستور، التي تنص على ضرورة وجود آليات التنزيل، أي التنزيل السليم لهذا المقتضى الدستوري، وأن لا يكون هناك تسرع في إخراجه، حتى لا يتم الوقوع في إشكاليات خلال عملية التنزيل والتفعيل. نحن طبعاً أمام قانون تنظيمي، ولا بد من توفر آليات لتفعيله، ولمس ارتياح لجميع الفعاليات والمتدخلين.
هل ترون أن الحكومة قادرة على ترسيم الأمازيغية خلال ما تبقى من نهاية ولايتها الحكومية؟
الحكومة ستحيل هذا القانون التنظيمي خلال هذه الولاية، ولكن يبدو أنه سيكون هناك إشكال بخصوص مناقشته في البرلمان، لأنها مرحلة بكل تأكيد ستكون طويلة الأمد، وربما ستمتد إلى الولاية التشريعية المقبلة، والحكومة تتبع بذلك، مسار العجلات الدستورية.
حزب الحركة الشعبية حزب يناضل منذ تأسيسه من أجل ترسيم الأمازيغية، ماذا حققتم في هذا الصدد؟
سبق أن قدمنا مقترح قانون في الفريق الحركي في مجلس النواب، لكن اصطدمنا بقرار المحكمة الدستورية، التي تشير إلى أن القوانين التنظيمية تمر من المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، ما يعني أنها مشاريع قوانين تنظيمية، وليست مقترحات قوانين، بالنظر إلى قيمتها وأهميتها، وباعتبارها مكملة للدستور. نحن كحزب بادرنا في هذا المجال، بصياغة مقترح قانون، لكن اصطدمنا بهذا القرار.
ما تصوركم حول تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي للأمازيغية؟
لا بد أن نسجل بإيجابية أن دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الجديد إلى جانب اللغة العربية، ستوفر لها الحماية الدستورية والقانونية لإدماجها في مختلف المجالات الأساسية كالتعليم والعدل والإعلام، فتنزيل المقتضى الخامس من الدستور من خلال القانون التنظيمي، يقتضي أساسا توافقا بين الدولة وبين جميع القوى السياسية والمجتمعية، بما فيها القوى النقابية والمدنية، لأن مثل هذا التوافق سيشكل لبنة أساسية في ترسيمها، ولكي تتمكن من القيام بوظيفتها كلغة رسمية.
وبالتالي، فمن المهم التأكيد أن القواعد والمقتضيات الدستورية، هي التي تحدد أسس وقواعد الحكم في الدولة، إلا أن هذه القواعد الدستورية، لا يمكنها تنظيم كل الأمور المرتبطة بممارسة السلطات أو الحقوق والحريات، لذا هناك من المجالات التي يكتفي فيها الدستور بالنص على بعض المسائل العامة المبدئية، محيلا تنظيمها وتفصيلها على القوانين التنظيمية. فهذه الأخيرة تستلزم تطبيق كل من الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية، قصد توفير لها كل من الحماية القانونية والمجتمعية.
ما هي المعايير والمرتكزات الأساسية لترسيم الأمازيغية؟
الأمازيغية إرث لجميع المغاربة، والنهوض بها مسؤولية وطنية ومسؤولية الدولة والمكونات السياسية والثقافية، وكذا مكونات المجتمع المدني، فالوضعية اللغوية في معناها التشريعي، ترتبط بثلاثة معايير واعتبارات أساسية، هي مجال الانتماء الترابي والمسار الدراسي والتعليمي وحرية الاختيار المكفولة للمواطنين. وإضافة إلى هذه المعايير هناك ضرورة ملحة إلى مرتكزات أساسية في تدبير التعدد اللغوي والثقافي، من أهمها: حق المواطن في استعمال اللغة الأمازيغية دون الإحساس بأي تمييز وذلك في كل المجالات والأنشطة الخاصة والعامة، وعدم التعرض لأي تمييز بسبب اللغة انطلاقا من إقرار ضمانات لحق المواطن في استعمال اللغة والاختيار.
لذا في نظرنا، المعيار الأقرب لوضعية اللغة الأمازيغية، هو اعتماد الازدواجية اللغوية عربية/أمازيغية، على امتداد التراب الوطني. وهذه المقاربة تتقاسمها مع العديد من أدبيات الحركة الأمازيغية الجمعيات العاملة في حقلها الحقوقي والثقافي والتنموي، انطلاقا من وضعيتها الدستورية وكذا للوضعية السوسيولسانية والتاريخية للأمازيغية، إضافة إلى ضرورة إقرار مرتكز أساسي وهو اعتماد مفهوم الوضعية اللغوية الأمازيغية في مختلف مستويات التخطيط والتدبير القانوني والسياسي والمؤسساتي، وكذا تحقيق حقوق اللغة الأمازيغية من خلال المجالات المرتبطة بالشأن العام المحلي وتدبير المرافق العمومية المرتبطة بخدمات المواطنين، والتمتع بالحقوق اللغوية عند ولوج المرافق العامة، من أهمها الحق في تلقي الخدمات والوثائق العمومية، أي ضمان لجميع المغاربة حق الاستعمال والتواصل والاستفادة من الخدمات باللغة الرسمية التي يختارونها مع إقرار كذلك مرتكز جوهري، ضرورة وضع برامج للتكوين المؤسساتي.
ما مستويات وآليات تفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية، محليا وجهويا؟
في ظل التنظيم الترابي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، وفق مقتضيات الباب المتعلق بالأحكام العامة الواردة في الدستور، وفي ظل تفعيل القانون التنظيمي للجهات وفي ظل القانونين التنظيميين المتعلقين بتقديم العرائض والملتمسات، فإن تفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية على مستوى تدبير الشأن العام المحلي والجهوي، وتوفير الخدمات العمومية وتسيير الإدارات التي تضطلع بها الجهات يقتضي آليات أساسية تشريعية وقانونية من أهمها، تعديل مقتضيات قانون الجماعات الترابية في الشق المتعلق بالديمقراطية التشاركية وكذا مقتضيات أخرى بما فيها قانون الجهات، وخصوصا المقتضيات المتعلقة بممارسة اختصاصها وتخويل حقها في تفعيل وتنزيل ترسيم اللغة الأمازيغية وتدبير التعدد اللغوي والثقافي على مستوى البرامج، فالاختصاصات الذاتية المخولة لمجالس الجماعات الترابية، سيما في الشق المتعلق بالتدبير التشاركي ودور المواطنين والجمعيات في اقتراح وتقديم العرائض ضمن جدول أعمال المجالس المنتخبة، تقتضي بالضرورة ملامسة هذا المقتضى الدستوري المتعلق بتنزيله على مستوى الممارسة، سعيا إلى إنجاحها كلغة رسمية.
محمد الأعرج رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب
4 أسئلة إلى الحسين أيت باحسين : «تصريحات ومواقف قياديي «البيجيدي» سلبية بخصوص الأمازيغية»
• ما تقييمك لعمل الحكومة في ما يخص ترسيم الأمازيغية؟
بعد مرور أربع سنوات من عمر الحكومة الحالية؛ في ما يخص ترسيم الأمازيغية؛ لا تملك الحركة الأمازيغية إلا مجموعة من التساؤلات والاستفهامات حول عدم تنزيل مقتضيات ما ينص عليه الفصل الخامس من دستور 2011، بالرغم من أن الخطاب الملكي لافتتاح الدورة البرلمانية الخريفية لمجلسيه لسنة 2012 دعا إلى اعتبار ملف الأمازيغية من بين الملفات الخمسة الأولى التي ينبغي تنزيل قوانينها التنظيمية؛ وبالرغم من أن المخطط التشريعي الحكومي المقدم للبرلمان بعد تنصيبها أكد على أن تنزيل القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية ستكون من بين القوانين التنظيمية التي سيتم تنزيلها.
بل الأدهى من ذلك عرفت بعض الأوراش التي شرع في إنجازها منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مثل ورش تعليم الأمازيغية، في النكوص والتراجع الكبيرين. كما أن المبادرات التي تسير في اتجاه تفعيل رسمية الأمازيغية في بعض المؤسسات، مثل التحدث بالأمازيغية في البرلمان، تلقى معارضة كبيرة من قبل أطراف منتمية للحكومة.
– بماذا تفسر تأخر الحكومة في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بها؟
هذا ليس بغريب إذا استحضرنا تصريحات ومواقف سلبية من الأمازيغية لغة وثقافة وهوية من قبل قياديين في حزب العدالة والتنمية، سواء أثناء الانتخابات التي أوصلتهم إلى رئاسة الحكومة، أو بعد ذلك حين أصبحت لهم مناصب ووزارية ذات تأثير سياسي كبير في الرأي العام وفي السياسات الحكومية.
فهذه التصريحات وتلك المواقف هي التي تبرر سياسيا تهميش القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية وتأجيلها وجعلها في ذيل تفعيل مخططها التشريعي الذي التزمت به. فكل المبررات التي تذرعت بها؛ سواء فيما إذا كانت هي المسؤولة دستوريا على تنزيل القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية أو غيرها هو المخولة إليه تلك الصلاحية؛ هي ذات خلفيات أيديولوجية أكثر منها دستورية أو سياسية.
– هل ترى أن الحكومة قادرة على تدارك ما فاتها، خلال ما تبقى من عمر ولايتها الحكومية؟
ما تبقى من عمر هذه الحكومة غير كاف لتنزيل قوانين تنظيمية خاصة بملف يعتبر من بين الملفات الهيكلية والسيادية في بضعة أسابيع أو شهور. والمنطق السياسوي البارز في هذا التأجيل هو تأجيل ملف الأمازيغية قصد توريثه لحكومة مقبلة وولاية تشريعية جديدة وربح مزيد من الوقت الذي يعتقد بأنه كاف لجعل الأمازيغية تعرف مزيدا من النكوص وتراجعا على المكتسبات التي تحققت لها. فهل يمكن اعتبار هذا المنطق السياسوي المتبع لأزيد من أربع سنوات مسعى مفكر فيه من قبل الحزب الذي يقود الحكومة الحالية؟