شوف تشوف

الرأي

لماذا نبتكر؟

صبري صيدم
أعترف بأنني في كل مرة استل فيها قلمي لأخط مقالي الأسبوعي، تزدحم الأفكار مع ازدحام المواقف والتطورات على الأرض، حتى أن القارئ بات يتوقع ما سيكتبه البعض منا وفق جنسيته، لأننا حتما سنكتب عن أمر يشغل بلداننا ومجتمعاتنا المباشرة.
فلو كنت ليبيا لكتبت عن ما يجري ميدانيا ومواقف الدول من تركيا، وصولا إلى مصر. ولو كنت يمنيا لكتبت عن استمرار الحرب الداخلية وتبعاتها. ولو كنت سوريا لكتبت عن حال سوريا والسوريين، وواقع الأمر بما له وما عليه. فما بالك وأنت فلسطيني، ستكتب عن كورونا وتفشيها المحزن هذا الأسبوع؟ أم عن الضم المزمع، وفق خطة المهرج ترامب؟ أم عن مسرحية النزاع بين أطراف ائتلاف الحكم في إسرائيل؟ أم الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني المستمر؟ أم الأزمة المالية التركيعية القائمة؟ بل كدت أن أختار الحديث اليوم عن الكونغرس الأمريكي، الذي وقع 109 من أعضائه على عريضة لإدانة الفلسطيني، والتأكيد على أمن إسرائيل ودعوتهم للاحتلال، لتنفيذ الضم وحماية أمنه، في نفاق منقطع النظير وكأنهم سيسمحون هم لنا أو غيرنا بأن نكتب للمكسيك، لحثها على استعادة تكساس وضم بعض الولايات الأمريكية إليها، حماية لأمنها وانتصارا لاقتصادها المنكوب وحدودها المخترقة، بفعل «العم سام» وسياساته الخرقاء. لكنني وجدت أن الأمر لن يعدو كونه أن يكون إلا مرثية جديدة لواقع أليم ومستمر، يأكل فيه القوي ما تبقى من حطام الفقير وكسرات خبزه الأخيرة.
وعليه كدت أن أذهب بالكتابة نحو الكسوف الكبير، الذي طال هذا الأسبوع الشمس والقمر في معركة الكون المستمرة، وما يجب أن نتوقعه من تبعات طبيعية، ربما تقود لتسوناميات متتابعة، تصل إلى المزيد من النكبات المالية والسياسية. ومع مرور الكسوف بصمت وهدوء كدت أن أذهب باتجاه الكتابة عن قدرة الإعلام الاجتماعي على تضليل الساسة، وأولهم ترامب المأزوم الذي اعتقد بأن مليونا من البشر سيحضرون مهرجانه الجماهيري الانتخابي الأول في أوكلاهوما، فلم يستطع ملء القاعة المخصصة للمهرجان الأول، فاضطر إلى إلغاء الحفل الجماهيري الخارجي، الذي لم يأته إلا عشرات الأشخاص، ليتضح في ما بعد أن أحدهم قد استخدم أحد وسائط الإعلام الاجتماعي لإغراق البيت الأبيض بموافقات واهية مؤتمتة، وهو ما أساء لترامب، وزاد من قناعة الشارع بأنه مهرج ليس إلا. لم أكتب عن كل هذا لأن عالم السياسة بات محزنا في تفاصيله، حتى أصبح عام 2020 عام الفضائحية السياسية بامتياز، ما يجعلنا أمام مسلسل مشوق من التهاوي. ما اخترت أن أكتب عنه اليوم، هو انطلاق مبادرة فلسطينية من رحم المعاناة ومآسي الضم والوباء، ونوم ذوي القربى وجور الخيانة والخذلان.
مبادرة فلسطين لتشجيع الابتكار العلمي لدى اليافعين «ابتكر» وباكورة نشاطاتها: الملتقى الصيفي الأول للابتكار العلمي، الذي ينطلق بعد أيام لتكون المبادرة وما تحمله من خطوات وأمنيات بمثابة الواحة العلمية، التي نركز فيها على تقنيات الروبوت والبرمجة والذكاء الاصطناعي والتعلم باللعب والريادة والابتكار وتعزيز الهوية الوطنية. واحة تقاتل الجهل وتنتصر للعلوم، وتوظف المعاناة لتحولها إلى نعمة التحدي، لتعزيز الابتكار وخدمة العلم ومحاربة الجهل، والتأكيد على كرامة الفلسطيني الرافض للانكسار والتهجير والهزيمة واليأس والإحباط، والمصر على البقاء والثبات والإبداع والتميز، حتى يحسن مقارعة عدوه لا بالأمنيات والأحلام ولا بالشعارات الرنانة والعنتريات الجوفاء، بل بالعلم. بالعلم وحده سيحيا الإنسان لا محالة، فما بالك في أبناء الأرض التي أنجبت الشهداء والمناضلين الذين حافظوا على الهوية والكرامة؟
مبادرة فلسطين للابتكار العلمي لدى اليافعين تحتاج إلى دعم القراء مع حداثة ميلادها، حتى لا نستمر في لعن الظلام، بل لنشعل شمعة النصر والحرية والاستقلال!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى