لماذا تصلح الضرائب؟
تشير الأرقام الرسمية التي تقدمها الحكومات في قوانين المالية السنوية، إلى أن معدلات الضريبة التي يتكلفها المغاربة مرتفعة، وهي في زيادة مستمرة. وتؤكد المعطيات نفسها أن قيمة إيرادات الدولة من الضرائب تفوق 19 ألف مليار سنويا، أي ما يعادل 70 في المائة من ميزانية الدولة، منها 4460 مليار سنتيم كضريبة على الدخل، 5196 مليار سنتيم ضريبة على الشركات، و6071 مليار سنتيم ضريبة على القيمة المُضافة، 2912 مليار سنتيم ضريبة داخلية على الاستهلاك.
طبعا لهذه الأرقام أكثر من معنى وتبقى مشروعة، فالدولة في أمس الحاجة لتوفير الأموال اللازمة لما تحتاجه من تجهيز البنيات الأساسية والمرافق والطرق والمستشفيات وتقديم الخدمات الأساسية.
لكن مقابل ماذا يدفع المغاربة ضرائبهم التي تقتطع منهم بشكل مباشر عبر الاقتطاع من أجورهم كموظفين، أو تدفع في حسابات الدولة كمهنيين، أو يدفعها المواطن يوميا بشكل غير مباشر خلال اقتناء حاجياته من السلع والخدمات؟
في كل دول العالم الضريبة لا تعني المواطنة وحب الوطن فقط، بل أداء الواجبات تجاهه، حتى انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية «لا تسأل ماذا تعطيك أمريكا بل ماذا أعطيت أنت لأمريكا»، ومن شدة صرامة القوانين الضريبية يقولون إنه يمكنك الإفلات من عزرائيل لكن ليس من مراقب الضريبة.
لكن هذا لا يعني أن المواطن يدفع ضرائبه فقط للتعبير عن حبه للوطن وتوفير المال للدولة لتشييد البنيات الأساسية، من طرق سيارة ومطارات دولية وموانئ ضخمة وقطارات تتوفر على مقاييس عالمية وملاعب بمعايير دولية. فالمواطن المغربي في أمس الحاجة، أيضا، لتخفيف الأعباء المتراكمة عن كاهله، في السكن والتغطية الصحية والتعليم والتشغيل والنقل والأمن، وهي خدمات مفروضة على الدولة مقابل ضرائب المواطن، والكل يحق له الاستفادة من هذه الحقوق الأساسية.
لنقلها بصراحة، ليس هناك أي تناسب في المغرب بين حجم الضرائب التي تحصل عليها الدولة ومنسوب الخدمات الأساسية المتواضعة التي يحصل عليها المواطن. ويكفي أن ننظر إلى بعض الأرقام الدالة التي حملها مشروع القانون المالي، الذي انقضت ضرائبه على ما تبقى من جيوب المواطنين، بينما خصص فتات 800 مليار سنتيم لتغطية خدمات الحماية الاجتماعية الموجهة لأكثر من 12 مليون مغربي من الطبقة الهشة، وهي لا تتجاوز نسبة 4 في المائة من ضرائب المواطنين، بل لم تصل حتى إلى ربع الضريبة على الاستهلاك.
على الحكومة أن تفهم أن المواطن يؤدي الضريبة لتثبيت مواطنته وممارسة حقوقه السياسية، والاستفادة من الخدمات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وعليها أن لا تحول الضريبة إلى «وجيبة» للانقضاض على جيوب المغاربة لسلبهم جزءا من مداخيلهم بدون مقابل، خصوصا بعد أن رفعت حكومتا «البيجيدي» يدهما عن دعم أسعار البنزين ورفعتا سن التقاعد وجعلتا من الضريبة امتدادا لسياسات رفع الدعم والإجهاز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.