شوف تشوف

الرأي

لماذا أقرأ ابن عربي في زمن كورونا؟ 2.1

لحسن حداد

أولا، هربا من الأخبار المتقاطرة كالجَودِ المنهمر حول الإصابات والموت والحظر والكمامات… حين يباغتني القَنط وتشتد كربتي، منعزلا، وحين يغزوني الجزع، شجىً وغما، أهرول إلى «الفتوحات المكية» لأتيه في غياهب المعنى الرباني والإشراق الفكري في فضاء الفلسفة والتصوف… ثانيا، لأنه حين مرِض ابن عربي مرضا وابلا وهو شاب، «رأى في المنام»، وهو محموم ساخن البدن، «أنه محوط بعدد ضخم من قوى الشر»، ثم فجأة ظهر رجل وسيم ولكنه قوي، فَتَك بقوى الشر حتى صارت في خبر كان. لما سأله محيي الدين: من أنت؟ قال له: إنه سورة ياء سين، فاستيقظ على والده يرتل السورة نفسها. (المرجع: «موقع معرفة.أورغ»). أقرأُ سورة «يس» في زمن كورونا، فأجد شذرات عن السر الرباني للكون: «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)». ثالثا، يقع كتاب «الفتوحات المكية» في 37 سِفرا ويحتوي كل سفر على حوالي 300 صفحة، أي إن الكتاب يقع في حوالي 12000 صفحة، واستغرق محيي الدين في كتابته حوالي أربعين حولا (بداية القرن السابع الهجري الموافق للجزء الأول من القرن الثالث عشر ميلادي). كان ابن عربي غزير الإنتاج، فيض فكري ناهز الثلاثمائة متن، وحتى القارئ المتخصص يجد صعوبة في قراءة وفك ألغاز كتاب «الفتوحات»؛ لهذا يلجأ الكثير إلى ملخصات الإمام الشعراني وتراجم المقري وابن العماد وغيرهم. ولهذا أعتبر الكتاب بحرا لا متناهي الشطئان أسبحُ من أين شئتُ، خصوصا أبواب «الأحوال» و«المنازل» و«المنازلات» و«المقالات»، أي سُبُلَ المعراج الرحماني، والتحقيقات الربانية ذات البعد الميتافيزيقي، والمستوى من الوصول غير القابل للوصف، والترقي الروحي (لبيب الوافي باترامنا، «نبذة صغيرة عن كتاب «الفتوحات»). لا يمكن قراءة هذا المتن الضخم إلا شذرات، شذرات، فيض من كم هائل، نور من حلول في السر الرباني، قطرات من لوغوس متعال (كما يسميه محمد أركون). في زمن الخلوة بالنفس بعيدا عن مكر الوباء، تترك شذرات ابن عربي تنهمر عليك وديانا وتسافر بك في فضاءات الكون والأسرار والأفلاك الدائرة حول باطن نوره، يسطع حقيقة أبدية لا تظهر حتى للعارفين. رابعا، مفهوم «التحقيق» عند ابن عربي بُنِي على مقولة أبي إسحاق الكندي والتي يحدد بموجبها هدف الفلسفة على أنه الولوج إلى الحق. يقول وليام تشيتيك في كتابه «ابن عربي وريث الأنبياء» (2005) إن «التحقيق» يعني الولوج إلى «معنى وحقيقة الكون، والروح، وقضايا البشر، على أساس الواقع المتعالي، أي «الحق»» (موسوعة جامعة ستانفورد الأمريكية في الفلسفة). وهذا يعني أنك تتعرف على هذا «الحق المتعالي» في مظاهر الحق المتواجدة والمتمظهرة في خلق الله. والمحققون هم من يصلون درجة تحقيق كامل لـ«إمكانات النفس الروحية والكونية والربانية»، (المرجع نفسه).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى