ترجمة: أميمة سليم
إنهم لا يفصحون عن كل شيء، ويخفون أشياء. شخص ما له مصلحة في حدوث ذلك. منذ ثلاثة أسابيع، يشهد منحنى وباء فيروس كورونا تطورا سريعا في فرنسا، لتأخذ موسيقى أسطوانة التآمر في الارتفاع.
الفيروس يؤثر على كبار السن بشكل حاد؟ إنها مؤامرة حكومية لحل مشاكل التقاعد، والعزل الصحي؟ ذريعة لانقلاب عسكري، في وقت كانت فيه الاحتجاجات الاجتماعية في أوجها. غياب اللقاحات والعلاج والكمامات؟ مرة أخرى، مؤامرة رسمها الاتحاد الأوربي، والصين، والحكومة، وهذه الشركة أو تلك.
منذ أسبوع، كانت شخصية البروفيسور ديديي راولت من استحوذت على اهتمام المتآمرين المفترضين.
التغطية الإعلامية والمناقشات العلمية حول العلاج بهيدروكسي كلوروكين، الذي يمارسه هذا الطبيب في مرسيليا، بعثت روحا جديدة في مجالات المؤامرة. لماذا هذا العلاج، المدعوم من قبل بعض الشخصيات السياسية مثل عمدة نيس (حزب الجمهوريين) في نيس، كريستيان استروسي، لم يتم تعميمه؟
بدلا من الخوض في تفاصيل التحفظات الطبية المتعلقة ببروتوكول العلاج، الذي اتبعه السيد راولت- والذي كانت نتائجه الأولى بعيدة كل البعد عن حصولها على إجماع المجتمع العلمي – فقد ظهر تفسير جاهز في مساحات معظم المناقشات الراديكالية على الإنترنت: المؤامرة في صناعة الأدوية الصيدلانية، يتم دمجها في الغالب مع إيحاء قوي لمعاداة السامية.
«لا يحقق مكسبا ماليا لليهود»، «لا نحتاجه إذن» كتب أحد رواد موقع 4chan/b/، وهو منتدى يحظى بشعبية بين أوساط اليمين المتطرف الناطق بالإنجليزية، في خضم حديث مفاده أن هيدروكسي كلوروكين منخفض التكلفة.
إغفال التحفـظات العلمية
لم يقتصر انتشار هذه النظريات على المنتديات فحسب. مقال كتبه جيلبرت كولارد، نشر في 24 مارس الماضي على موقع «يوتيوب»، ولكن أيضا على موقع «التجمع الوطني»، ويتناول بذلك العديد من العناصر الرئيسية لنظريات المؤامرة الرائجة حول فيروس كورونا (بما في ذلك أصله «العسكري» المزعوم)، دون ذكرها بصريح العبارة.
تشرح المؤرخة فاليري إيغونيت، في تحليلها للنص لفائدة موقع «كونسبيرانسيواتش»، أن عضو البرلمان الأوربي عن حزب التجمع الوطني «يستخدم هنا خطابا تآمريا معروفا، قصد الإشارة إلى المصادفات المزعومة المزعجة». ويغفل ذكر التحفظات العلمية على البروتوكول الذي استخدمه الدكتور راولت، بالإضافة إلى بعض الحقائق المؤكدة، سيما تصنيف الكلوروكين كمادة سامة لا علاقة له بالوباء- ويعود تاريخ القرار إلى أكثر من سنة. ومع ذلك، يحرص النائب السابق على الإشارة إلى أن الزوج السابق لوزيرة الصحة السابقة آغنيس بوزين، هو أحد أبناء سيمون فيل.
يضيف رودي رايخشتات، مؤسس موقع «كونسبيرانسيواتش»، أن «أساس التآمر هو أن يكون غامضا بما يكفي ليضع الجميع ما يريدون وراءه». وهكذا وجد الجميع في شخصية البروفيسور راولت مصادقة على مخططاتهم التآمرية.
انطلاقا من كريستين بوتين، التي كانت تحمل، في 11 مارس المنصرم، «انطباعا مزعجا بأن هناك أمرا مخفيا»، وصولا إلى الاتحاد الجمهوري الشعبي، الذي يرى خلف «انتصار البروفيسور راولت»، «إحراجا» لوسائل الإعلام الفرنسية، واستخدم عدد كبير من المنتخبين والتيارات السياسية الدلالة التآمرية.
هذه التلميحات التي يكررها اليمين المتطرف، لا يستثنيها أقصى اليسار، الذي يشكك جدا في صناعة الأدوية؛ كما أنها تتكرر بشكل خاص عبر مجموعات «فيسبوك» الخاصة بحركة «السترات الصفراء».
ولكن إذا ازدهرت هذه النظريات كثيرا، فذلك لا يرجع فقط إلى أن هذه الفترة، المثيرة للقلق، تعززها. بل تتغذى بشكل مباشر على الخيارات الحكومية في إدارة الوباء. إن استمرار الجولة الأولى من الانتخابات البلدية، عشية فرض العزل الصحي على الجميع، أعطى «الذخيرة» لخطاب المؤامرة والذي يدعي أن الحكومة كانت تحاول قتل الأرواح، أو أولئك الذين زعموا بأن الوباء لم يكن خطيرا.
وبالمثل، فإن التصريحات المتناقضة حول ضرورة ارتداء الكمامات، أو أقوال أغنيس بوزين، التي قالت في مقابلة أجرتها مع «لوموند» يوم 17 مارس الماضي، إنها تأسف على «تركها وزارة الصحة، مع العلم أنه لن يتم إجراء الانتخابات»، تصريحات استغلها المتآمرون بشكل كبير، يشير رودي ريشتادت: «يعطي ذلك الأسلحة لأولئك الذين ينشرون هذه النظريات. منذ 17 مارس المنصرم، كان التجمع الوطني يروج لهذا الخطاب «لقد كانوا يعلمون، ولكنهم لم يفعلوا شيئا»، كما لو أن الحكومة تملك حقيقة سرية. ثم قال جيلبرت كولارد: «إنها تعترف بالكذب». حتى أن جون لوك ميلونشون [قائد حركة «فرنسا غير الخاضعة»] يتحدث عن «الاعترافات». إنهم يروجون لخطاب «والدليل على ذلك…»، في حين ليس هذا ما قالته أغنيس بوزين على الإطلاق».
تصريحات محطمة
بالنسبة إلى مؤيدي نظريات المؤامرة، تشكل الانتقادات الموجهة ضد البروفيسور راولت واختباراته العلاجية «أدلة» جديدة. إذا كان يشكل «إزعاجا»، فمن الوارد جدا أنه على حق؛ لا يمكن الطعن في علاجه، البسيط وغير المكلف، إلا بسبب وجود «مصالح خفية» في الكواليس.
خول هذا المنطق أيضا لأنصار ما يعرف بنظرية «كيو أنون»- التي يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطل مؤامرة سرية يحيكها «الوطنيون الحقيقيون» – دمج شخصية البروفيسور راولت في أطروحاتهم.
الكره «للمؤسسة الحاكمة»، مثل دونالد ترامب، فإن ديديي راولت هو بالضرورة واحد من «أبطال الظل»، حسب قولهم. وسهلت التصريحات الخاصة بالسيد راولت على حدوث تقاربات، الذي لطالما كان ضحية لتشويه السمعة على يد «المسؤولين» الباريسيين للصحة.
تشهد هذه الانتقادات السابقة للنظام الطبي الفرنسي انبعاثا جديدا، وهكذا استخرج الموقع الروسي «سبوتنيك» مقطع فيديو لديديي راولت، يعود لأكثر من خمس عشرة سنة، يوضح فيه أن فرنسا ليست مستعدة بشكل كاف لمواجهة وباء ما. وقد تم تعزيز حملات للأخبار المضللة حول «كوفيد-19»، التي نسبها الاتحاد الأوربي إلى روسيا، والتي تم تداولها على نطاق واسع عبر شبكات الإنترنت في الأسابيع الأخيرة.
ولكن، مع مسيرته غير النمطية وتصريحاته المتعددة المحطمة على مر السنين، يطرح ديديي راولت أيضا صعوبات على أكثر المتآمرين «صعوبة». في4chan/b أو أفينويل، المنتديات الشعبية بين صفوف أنصار اليمين الأكثر تطرفا، يعجبنا مظهره مثل الكاهن العجوز الأبيض، وكذلك تصريحاته المتشككة بالمناخ منذ عشر سنوات.
بيد أن ديديي راولت هو أيضا مؤلف عمود نشر في«لو بوان» يستنكر فيه فكرة «فرنسي الأصل»، التي وصفت بأنها عبثية علمية. هذا النص أكسبه اليوم معاملته على أنه «خردة عالمية» على أفينويل، في حين أن مواقع أخرى للمؤامرة ومعاداة السامية تبحث، منذ عدة أيام، عن روابطه مع الموساد الإسرائيلي.