لكل تأخر ثمن
عبد الرزاق الحجوي
حطم الطلب على الكهرباء رقما قياسيا غير مسبوق مع ذروة الحر خلال الصيف الماضي بالمغرب، أياما فقط بعدما نبهت في مقال بعنوان: لكل تأخر ثمن، إلى كون الضوابط التقنية والقانونية لسياسة البناء لا علم لها بحيثيات التغير المناخي، وإلا فقد كان يكفي التدخل في الوقت المناسب، قبل طفرة التعمير التي انطلقت عند تدشين المدن الجديدة بمدارات كل من الرباط ومراكش والبيضاء، والتي أعقبها انفجار العرض في صنف السكن الاجتماعي بسائر ربوع المملكة، فقد كان يكفي التدخل لفرض تعديلات بسيطة بتأثير جد طفيف على الكلفة الإجمالية، ما كنا سنجني وراءه الكثير في جودة الحياة، وفي مجال توفير الطاقة.
فهذه التعديلات ستفرض نفسها، لكن تنفيذها لن يكون ممكنا إلا في البنايات الجديدة، لتظل الأغلبية تحت رحمة موجات الحر والقر المتصاعدة سنة بعد أخرى، فكيف يعقل أن نطبق إلى اليوم المعايير نفسها للبناء بمدينة صحراوية وأخرى ساحلية، باستثناء الفرق في لون الصباغة؟ وأين كان انتباه وزراء السكنى والتعمير ودواوينهم الغاصة بالمستشارين؟
إن مستقبل وواقع أي بلد يبقى رهينا بمدى وفرة الطاقة الكهربائية وتنافسية التسعيرة، فكلما تدنى السعر كلما ازدهرت الصناعة والإنتاج، وكلما تقزمت البطالة وانتشر الرفاه، بحيث تواصل رغم كل المؤتمرات والتوصيات العالمية، بناء المفاعلات النووية في كل الدول الكبرى، مثل الصين التي رغم أنها تبيع نوعا من المفاعلات وتركبه، إلا أنها تقتني المفاعلات الفرنسية لتلبية حاجياتها الخاصة، أو بريطانيا رغم تعثر برنامج تنفيذ مخططها لسنة 2010 القاضي ببناء ثمانية مفاعلات نووية كبرى، أو الإمارات العربية المتحدة التي رغم كونها بلدا نفطيا، إلا أنها اتخذت الطاقة النووية مصدرا للطاقة الكهربائية… فرغم التقدم الواعد لتقنيات الطاقة الخضراء والمتجددة، ظلت الدول المتقدمة عاجزة إلى اليوم عن الاستغناء عن مصدر الطاقة النووية، بالرغم من سمعته السيئة.
هذه السمعة السيئة ستنقلب كليا مع الجيل الجديد من المفاعلات الصغيرة «إس إم إر»، اليسيرة التركيب والكلفة، وغير المعرضة لخطر الانفجار، حيث سبقت روسيا إلى تشغيلها سنة 2019، من خلال ربط شبكتها الكهربائية بمفاعل من هذا الجيل. كما تخطط الصين لاستغلال هذا النوع قريبا، رغم أنها الأولى عالميا في عدد المفاعلات الكلاسيكية التي هي قيد الإنشاء، أما بريطانيا فبفضل شركة «رولز رويس»، وأمريكا بفضل شركة «نوسكال» المتقدمتين على غيرهما في هذا المجال، فيبدو أنهما المؤهلتان لريادة هذه الطفرة الجديدة.
فهل سيختار المغرب دخول هذا المضمار منذ بدايته، رفقة تركيا وبولونيا والتشيك، وغانا التي استفادت من دعم أمريكي في هذا المجال، أم لا؟