شوف تشوف

شوف تشوف

لقد أعذر من أنذر

كان ضروريًا أن يقرع الملك جرس الإنذار بخصوص الحالة الوبائية غير المطمئنة التي وصلنا إليها في المغرب. وهو إنذار موجه للجميع لكي يتحمل كل واحد مسؤوليته أمام القرارات الصعبة التي من الممكن أن يترتب عنها هذا السلوك المستهتر بتدابير السلامة الوقائية الذي نراه في بعض الفضاءات العامة وبعض أماكن العمل. فإما أن يلتزم الجميع بهذه التدابير وإما ستكون علينا العودة للحجر الصحي بكل ما يعنيه ذلك على مستوى الكلفة الاقتصادية، فكل يوم قضاه المغاربة في الحجر الصحي كلف ميزانية الدولة خسارة مائة مليار. ومع أن المغرب كان من الدول السباقة لاتخاذ الاحتياطات وفرض التدابير الصحية حتى صار مضربا للمثل، إلا أن الوضعية التي وصلنا إليها مؤخرا أصبحت تؤهلنا لكي نكون مضرب المثل في الاستهتار بالتدابير الوقائية التي نتج عنها ارتفاع صاروخي في الإصابات والوفيات.
فما الذي حدث حتى تعثرنا في الأمتار الأخيرة؟
الجميع لاحظ أن هناك حالة تراخ في الآونة الأخيرة تبعتها حالة استهتار بتدبير وضع الكمامة، وجزء كبير ممن يضعونها يصنعون ذلك بشكل خاطئ، فإما يغطون ذقونهم وإما يغطون أفواههم فقط تاركين أنوفهم عرضة لنقل وإشاعة العدوى.
في بلد محدود الإمكانيات كطايوان استطاعوا أن يوقفوا زحف الوباء بالالتزام الصارم بوضع الكمامات والتباعد الاجتماعي والنظافة، وهذا المثال وحده كاف لإظهار أهمية الالتزام بهذه التدابير الوقائية للحد من العدوى.
فلا معنى لكي يضع البعض الكمامة بشكل صحيح فيما آخرون لا يضعونها أو يضعونها بشكل خاطئ، لأن هذا يعني أنني أحميك من نفسي بوضعي للكمامة فيما أنت لا تحميني منك وتعرض حياتي وحياة الآخرين للخطر.
والحل الوحيد لكي نتغلب على هذا الوباء هو أن نضع جميعًا الكمامة عندما نخرج من البيت وبشكل صحيح.
وموضوع الكمامة يجب حمله على محمل الجد، مما يعني عدم التساهل مستقبلا مع تلك الكمامات العشوائية التي تباع في الأسواق، دون أن تكون حاصلة على شهادة المطابقة، لأن وضعها يعطي انطباعا خادعا بالحماية من العدوى فيما الواقع أن وضعها يوازي عدم وضعها لأنها تفتقر لشروط الوقاية.
أعتقد أن هناك استسهالا للوضعية الوبائية من طرف شريحة واسعة من المواطنين وذلك لأسباب كثيرة لعل أخطرها هو الاعتقاد الخاطئ بأن الفيروس ليس بتلك الخطورة التي تم تصويره لهم بها، مما يعطي شعورًا خادعًا للناس بأن الفيروس ليس قاتلا كما تم تصويره.
وهنا يظهر ضعف وغياب الإعلام العمومي المفروض فيه إظهار خطورة الفيروس بعرض قصص درامية وصور مرعبة لضحاياه، مثلما ظلوا يصنعون في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا خلال ذروة الجائحة.
ولعل ما شجع على الاستهانة بخطورة الفيروس هو انتشار فيديوهات لأشخاص في الحجر الصحي بالمستشفيات يقومون بالألعاب الرياضية، وآخرون يرقصون كما لو أنهم في حفل زفاف، مما أعطى انطباعا للناس بأن الأمر غير جدي وأنهم إذا أصيبوا بالعدوى فإنهم في أسوأ الحالات سيكونون في غرف مع معارفهم “واكلين شاربين معالجين”، وأن الأمر بالنهاية ليس دراميا، بل يمكن أن يكون بالنسبة للبعض فرصة لمغادرة ضيق البيوت وسوء التغذية والعزلة.
واليوم نرى أشرطة مغايرة تماما، يظهر فيها الوجه البشع للمرض، وأيضا الوجه الحقيقي للواقع الصحي بالمغرب.
فقد بدأ المغاربة يشاهدون الوجه البشع لفيروس كورونا، أصبحوا يرون المرضى يختنقون في العناية المركزة، وينتظرون في أروقة المستشفيات دورهم للحصول على الأوكسجين.
فالمغاربة لم يعيشوا ما عاشه الناس في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وما يعيشه الناس في أمريكا اللاتينية اليوم حيث يدفنون موتاهم في قبور جماعية.
لذلك فهم عندنا يستسهلون هذا الفيروس ويتصرفون بطيش يمكن أن يهدد حياتنا جميعًا ويقودنا لا قدر الله إلى عيش ما عاشه مواطنو هذه الدول، وسيكون على الذين يحترمون تدابير الوقاية أن يدفعوا ثمن تهور وطيش هؤلاء المستهترين.
السؤال الذي تطرحه فئة مهمة من المغاربة هو لماذا سيكون علينا نحن الذين نحترم القانون حرفيا ونلتزم بالتعليمات ونتبع نصائح المسؤولين أن ندفع من أمننا وصحتنا وجيوبنا أخطاء وطيش وانعدام تربية هؤلاء المستهترين؟
لقد حان الوقت لكي نتدارك ما بقي من وقت لشد الحبال واستعادة رباطة الجأش واليقظة والصرامة.
سيكون مؤسفا أن يحقق المغرب كل هذا الإنجاز العظيم الذي تشهد له به كل دول العالم، وفي الأخير يأتي بعض الجهلة لكي يفسدوا هذه الملحمة ويدخلوا البلد في متاهات لا قبل لنا بها.
ثم هناك شيء خطير يجب الانتباه إليه وهو أعصاب ومعنويات الناس الذين يلتزمون حرفيًا بالتدابير الوقائية، لأنهم عندما يرون كيف يلتزمون منذ بدء الجائحة بارتداء الكمامات ونظافة اليدين والتباعد الاجتماعي فيما آخرون يتحركون بدون كمامات معرضين حياة الجميع للخطر فإن معنوياتهم ستنهار، وسيبدؤون في فقدان الثقة، وهذا أخطر شيء يمكن أن يصيب المجتمع في مثل هذه الظروف العصيبة.
لقد منحتنا جائحة كورونا الفرصة لكي نعيد النظر في بعض سلوكياتنا الخاطئة، لكن يبدو أننا متمسكون بهذه السلوكيات حتى وهي تهدد الصحة العامة.
فنحن نريد أن نعيش متزاحمين في البيوت والأحياء والأسواق والساحات، في الأعراس وسرادقات العزاء، أمام أبواب المستشفيات والمقاطعات وبوابات السجون. أينما وليت وجهك تجد جماعة من الناس ملتفين حول شيء ما. أما المصافحات والعناق والقبلات على الوجنتين فهي رياضة وطنية عندنا تمارس بمناسبة وبدونها.
لذلك فنحن أكبر من يعادي مبدأ التباعد الاجتماعي الذي تنصح به منظمة الصحة العالمية لوقف انتشار عدوى فيروس كورونا.
التباعد الاجتماعي هو أن نتوقف عن الالتصاق ببعضنا البعض، أن نضع مسافة متر على الأقل بيننا وبين الآخرين، أن لا نصافح أحدا وأن لا نعانق أحدا وأن لا نضع قبلات على وجه أحد، وخصوصا الأطفال.
سيكون علينا أن نكتفي بإلقاء السلام على بعضنا البعض، فالرسول الكريم أمرنا بأن نشيع السلام بيننا وليس أن نشيع المصافحات والقبلات والعناق. فضلًا عن أن السلام الذي أمر رسولنا الكريم بإشاعاته لا يقتصر معناه على التحية بل السلام بمعناه الواسع، أي أن نشيع الأمن وأن لا نؤذي أحدا، واليوم تجنب إلحاق الأذى بالآخرين يبدأ بوضع الكمامة بشكل صحيح وباحترام التباعد الاجتماعي وتطبيقه بصرامة وبالحرص على النظافة طوال الوقت.
غير هذا سنتجه مباشرة نحو الكارثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى