لقاح من نوع آخر
يونس جنوحي
تخطينا عتبة الـ4 ملايين مستفيد من التلقيح إلى حد الآن. ورغم أن دولا كبرى سبقتنا إلى إطلاق حملات التلقيح، إلا أنها لا زالت خلفنا في سرعة تعميم اللقاح على المستفيدين.
كل الصحف الدولية خصصت بالأمس ورقات ذكرت فيها أن المغرب حقق رقما كبيرا في مدة زمنية قصيرة مقارنة بدول أخرى.
يحدث هذا في وقت لا تزال دول أوربية تعلق إعادة فتح الرحلات الدولية في اتجاه المغرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القطاع السياحي الذي يعتبر الآن أكثر القطاعات تضررا من الجائحة.
ورغم أن شمال المغرب كان دائما وجهة سياحية للزائرين من الدول الأوربية وحتى من أمريكا، إلا أنه يعيش هذه الأيام حالة ركود غير مسبوقة بسبب تداعيات قرارات إغلاق الحدود وتعليق الرحلات البحرية والجوية في اتجاه ميناء المتوسط.
المنابر الأوربية التي تطرقت لخبر تلقيح أربعة ملايين مغربي منذ نهاية يناير إلى اليوم، كان عليها أن تُسائل حكومات بلادها عن سبب استمرار تعليق الرحلات، خصوصا أن دولا مثل بريطانيا وألمانيا نصحت مواطنيها قبل أشهر، وفي عز انتشار الوباء وبروز النسخ المتطورة منه، بالتوجه إلى المغرب للسياحة على اعتبار أنه إحدى الوجهات الأكثر أمانا لمواطنيها.
لكن المشكل أن ذاكرة العالم قصيرة، إلى درجة أنها لا تستطيع تذكر بعض هذه التفاصيل.
تشجيع الرحلات القصيرة من جنوب إسبانيا مثلا نحو شمال المغرب، كفيل بتغيير واقع نسبة مهمة من العاملين في قطاع السياحة، خصوصا أصحاب المتاجر والفنادق الصغيرة التي تعتمد على إعلانات المواقع المتخصصة في السياحة لاستقطاب مرتاديها من كل بقاع العالم، دون الحاجة إلى مطبوعات أو إعلانات مدفوعة لوكالات الأسفار.
عندما علقت فرنسا الرحلات من وإلى المغرب قبل أسابيع، كان المهاجرون المغاربة الذين وجدوا أنفسهم شبه عالقين في المغرب، أمام حل وحيد وهو السفر إلى بلجيكا، التي لم تكن قد أغلقت أجواءها بعدُ، وهكذا نزلوا في «بروكسيل» واستقلوا أول قطار سريع من المطار صوب الأراضي الفرنسية.
وهذا ما يكشف أن بعض القرارات التي تتخذها الحكومات في أوربا تفتقر إلى المنطق اللازم وأنها لا تراعي كل الجوانب التي من أجلها اتخذت تلك القرارات.
قانون تقنين زراعة القنب الهندي وتوجيهه نحو الاستعمال الطبي، يسترعي باهتمام الناس في هولندا أكثر مما يتابعه المغاربة أنفسهم. إذ أن أباطرة المخدرات والمهربين الكبار، يقلقهم مستقبل زراعة الكيف في الشمال، لأنهم أول مستفيد من العشوائية التي تعرفها عملية الزراعة خارج القانون ويستغلون أوضاع الفلاحين الصعبة لتمكينهم من المحصول بأقل تكلفة. وإذا حدث وتم فعلا تقنين هذه الزراعة، فإن حصول المهربين عليها لتهريبها على شكل مخدرات جاهزة للاستهلاك سيكون صعبا ومعقدا أكثر من السابق.
وفي بلد مثل هولندا، حيث يسمح للناس قانونيا باستهلاك وتدخين كميات محددة من القنب الهندي، فهذا يعني أن أسعار «الغرام» الواحد قد تعادل تكلفة متر من الأرض في مقبرة بقلب أمستردام.
الذين يتباكون اليوم على قانون تقنين زراعة القنب الهندي، هم أنفسهم من يغلقون آذانهم عن مشاكل العاملين في القطاع السياحي. وفي الوقت الذي يدّعون فيه أن قلوبهم على مستقبل البلاد، يتنكرون لأزمة قطاع بأكمله تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني.
أربعة ملايين مستفيد من اللقاح، إنجاز يقف وراءه العاملون من أطر الصحة والموظفون الذين يشرفون على اللوائح. صغار الموظفين الذين يقضون اليوم كله واقفين أمام الطوابير لتنظيم المستفيدين. أما الراكبون على إنجازات الآخرين، فيدّعون أن هذا الرقم تحقق بفضل حضورهم للبرلمان حتى لا يتم التصويت على «القاسم الانتخابي». وهذه قصة أخرى طبعا، وهؤلاء طبعا ينقصهم لقاح من نوع آخر.