يونس جنوحي
في الخطاب الملكي الأخير، كان موضوع المرأة حاضرا بقوة. منذ بداية العهد الجديد، كان موضوع مدونة الأسرة على رأس المشاريع الحقوقية التي عرفت مجموعة من الإصلاحات والتشريعات. وأخيرا، تم السماح للنساء بمزاولة مهنة العدول، لكن موضوع اعتماد شهادة المرأة، وفق الشريعة الإسلامية، لا يزال موضوعا في الرف. أي أن أغلب المعاملات الإدارية والوثائق التي تُبنى على إفادات الشهود، تغيب عنها المرأة بشكل كبير. ولا يزال الكثيرون يستبعدون شهادة امرأتين، حتى في حالات الضرورة. وهذا الأمر يمكن أن يؤكده العدول، بحكم أنهم ينجزون يوميا مئات المعاملات لدى محاكم المملكة.
للأسف، ما زالت الفتيات يُحرمن من مواصلة الدراسة، حتى في بعض المدن الصغرى التي صار فيها خروج المرأة للعمل أمرا عاديا ومقبولا، لكن الفتيات لا يُسمح لهن بمواصلة الدراسة، حتى لو تعلق الأمر بالأقسام الداخلية. ورجال التعليم اليوم يعرفون جيدا الإكراهات التي تحيط بموضوع تمدرس الفتيات. وهناك أطر تعليمية اضطرت إلى نزع الوزرة ومغادرة حجرة الدرس، والذهاب إلى منازل بعض العائلات، للحديث مع الآباء والأمهات وإقناعهم بترك بناتهم لكي يواصلن دراستهن، خصوصا في السلكين الإعدادي والثانوي، بدل تزويجهن.
وقبل تقييم النقاش الحقوقي حول موضوع زواج القاصرات أو الزواج بالفاتحة، ما زلنا في المغرب مُطالبين بنقاش الأساسيات، وهي السماح للفتيات بمواصلة التعليم. إذ إن المناطق التي يقوم الاقتصاد العائلي فيها على الزراعة المعيشية والأسواق الأسبوعية، لا تسمح في العادة للفتيات بمواصلة الدراسة، مع وجود استثناءات قليلة جدا. إذ إن أغلب العائلات توجه البنات نحو الأنشطة الزراعية والأعمال المنزلية، ولا تسمح لهن بمواصلة الدراسة، في حين أن الذكور يُسمح لهم بالبطالة والانقطاع عن الدراسة، وفي أفضل الحالات يُسمح لهم بالذهاب إلى المدن للبحث عن فرص عمل، خصوصا مع توالي سنوات الجفاف. لكن الفتيات ممنوعات تماما من البحث عن مستقبل أفضل، إلا في الحالات التي تتعلق بالزواج من أجل الهجرة إلى الخارج.
لا يزال بعض الناس مصرين على عدم السماح للفتيات بمواصلة الدراسة، رغم أن هذا الأمر تحدث عنه الملك الراحل محمد الخامس منذ سنة 1943، أي قبل ثمانية عقود. إذ إن الخطاب الملكي الذي ألقاه السلطان محمد بن يوسف، في جامعة القرويين، يوم 28 يونيو من السنة نفسها، تناول موضوع دراسة الفتيات. الخطاب ألقي أمام جهابذة علماء القرويين وقتها، ولقي استحسانا كبيرا، سيما أن السلطان أعطى المثال بنفسه، وسمح لبناته بالدراسة جنبا إلى جنب مع إخوانهن الذكور.
لكن واقعة مهمة، حدثت بعد الخطاب بثلاثة أشهر، حكاها الدكتور عبد الهادي التازي في مذكراته، وهو يستعرض أقوى اللقاءات التي جمعته بالملك الراحل محمد الخامس خلال مرحلة شبابه.
في يوم 2 أكتوبر سنة 1943، حضر عدد كبير من الناس إلى القصر الملكي في الرباط، لتهنئة الملك الراحل محمد الخامس شخصيا بعيد الفطر. ويقول الدكتور عبد الهادي التازي إن ذلك الاستقبال كان من بين الاستقبالات الكبرى التي حضرها الناس من مختلف المشارب، وكان بينهم وزراء وأناس عاديون رغبوا في تهنئة الملك بعيد الفطر.
وكان من بين الحاضرين أحد مقدمي الزوايا، وكان الحضور يتهامسون في ما بينهم متحدثين في مختلف المواضيع، فأثير موضوع دراسة البنات وولوجهن المدارس، بما أنه كان موضوع الساعة بامتياز.
المثير أن الملك الراحل سمع صوت مقدم الزاوية، وهو يعلق على موضوع دراسة الفتيات قائلا: «أفعى ونسقيها سُما؟».
فلما هم بعض الحضور لكي يجيبوه، تدخل الملك وأجابه بنفسه وقال له، ما نقله عبد الهادي التازي: «إن البنت ليست أفعى أولا. ولا يمكن أن نقبل أن تكونوا أنتم وهؤلاء ونحن أبناء أفاعي! من البنات أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا..».
انتهى الحوار باعتذار مقدم الزاوية للملك، فأجابه محمد الخامس: «إذن ستُدخل بناتك إلى المدرسة». فأجابه الرجل بأنه صارت لديه حفيدات، ووعد بأن يساعد على إدخالهن إلى المدرسة.
قصة قصيرة للعبرة، ومرة أخرى، الظاهر أن «داء العطب قديم».