يونس جنوحي
الأمن الغذائي مقابل رفع العقوبات، شعار، أو بالأحرى شرط، رفعته روسيا أول أمس في وجه المجتمع الدولي لتعزيز موقفها في الأزمة الأوكرانية.
الرئيس الروسي قال للصحافة إنه لن يعيد إحياء هذا الاتفاق، الذي تدعمه الأمم المتحدة، ما لم تُرفع العقوبات التي تعرقل الصادرات الروسية، علما أن هذا الاتفاق مكّن فعلا من خفض أسعار الغذاء بعد أن اشتعلت فيها النيران بسبب منع روسيا لأوكرانيا من تصدير الحبوب عبر مضيق البحر الأسود.
هذا الشعار الروسي يعيد إلى الأذهان شرط «النفط مقابل الغذاء» الذي كان الشعار الأكثر تداولا في التسعينيات خلال أزمة العقوبات الأمريكية على العراق قبل الحرب. شعارات سياسية تُرفع وتضع أوزارها حسب مزاج السياسيين ومصالحهم لا أقل ولا أكثر.
في عز هذه الأزمة، نشرت صحيفة «إنسايد أوفر» الإيطالية، في نسختها الإنجليزية، مقالا تحليليا جديرا بالتأمل، لكاتبه كلاوديو روسي.
يتعلق الأمر بقرار إعادة انتخاب الصيني شو دونيو رئيسا لمنظمة الأغذية والزراعة «فاو»، التابعة للأمم المتحدة، لولاية ثانية مدتها أربع سنوات، بعد أن كان المرشح الوحيد للتنافس على المنصب.
ما لا يعرفه الكثير من المتابعين لأخبار المنظمة، أن رئيسها الحالي، حسب المقال دائما، كان وزيرا سابقا للفلاحة في الصين الشعبية. وهذا تلميح صريح من الصحيفة الإيطالية إلى أن رئيس المنظمة الحالي، والتي يفترض فيها أن تراعي المصالح الدولية، قد يخدم مصالح الصين، خصوصا في ظل الأزمة الحالية التي يمر بها العالم، سواء بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية، أو بشأن الانقلابين اللذين تعرفهما إفريقيا هذه الأيام.
السيد دونيو، الذي تولى رئاسة «الفاو» منذ 2019، يُنسب إليه الفضل في تطوير مبادرة الحزام والطريق الصينية الشهيرة. وتقول الصحيفة إن إعادة انتخابه رئيسا لولاية ثانية نتيجة مباشرة لمجهودات «اللوبي» الصيني المؤثر في عدد من الدول، خصوصا في إفريقيا.
وعند تأمل مُجريات الأحداث، نجد فعلا أن الكاميرون وأوغاندا سحبتا ترشيحهما للمنصب، بعد أن ألغت الصين ديونهما وتعهدت بالاستثمار مستقبلا في البلدين.
وجاء في المقال: «وحصلت عدة دول أخرى على وعود بتعويضات مقابل أصواتها».
لو أن هذه الاتهامات وُجهت إلى انتخابات «الفيفا»، كما وقع فعلا، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولفُتحت تحقيقات وبوشرت اعتقالات، كما وقع عندما اتُهم مسؤولون في «الفيفا» بتلقي رشاو خلال ترشيحات كأس العالم أيام بلاتر،
لكن الأمر هنا يتعلق بالسياسة، والسياسة، في نهاية المطاف، مصالح.
اسم الرئيس الصيني الحالي لمنظمة «الفاو» كان دائما في قلب عناوين مقالات صحف أوروبية بارزة، خصوصا في ألمانيا، هذه السنة. وهذه الصحف كانت تابعت تسريبات انفردت بها صحيفة «إنسايد أوفر» الإيطالية، فصلت فيها كيف أن المنظمة -الفاو- تغيرت منذ تولي السيد شو دونيو المنصب.
التقارير المنشورة كشفت أن الرئيس يخدم، في سلسلة من القرارات والإجراءات التي باشرتها المنظمة أخيرا، المصالح الصينية بالدرجة الأولى. وجاء في التقرير أن الرئيس «أمضى السنوات الأربع الماضية في توجيه الوكالة بما يتناسب مع المصالح الصينية».
في عز جائحة كورونا، اكتشف العالم أن منظمة الصحة العالمية ليست موضوع ثقة أبرز الأطباء في العالم، واتضح أنها تفرجت معنا على أزمة الوباء التي حصدت مئات الآلاف من الأرواح في أقل من أسبوع، وحامت شبهات كثيرة بشأن شركات اللقاح ورفض أبحاث علماء بارزين في علم الأوبئة، مقابل تسليط الضوء على عينات وزعتها شركات بعينها.
الأمر نفسه يحدث في منظمة الغذاء، خصوصا في ظل تفاقم أزمة المجاعة في عدد من الدول في آسيا وإفريقيا. حتى أنه بات واضحا، أكثر من أي وقت مضى، أن الحروب المستقبلية لن تُستعمل فيها لا الصواريخ ولا الطائرات، وإنما حقول القمح والذرة.