حسن البصري
ما أن مسحنا عرق الفرحة التي غمرتنا بعد الفوز التاريخي على الإسبان في معركة الزلاقة الثانية، واستجمعنا قوانا بعد يوم عاشت فيه جوارحنا بلا فرامل، حتى رمتنا المنافسات في معركة جديدة أمام البرتغاليين.
يا إلهي أي قدر هذا يسوقنا لملاقاة الجيران؟ ولماذا يصر التاريخ على أن يعيد نفسه من جديد بعد أن اصفرت أوراقه؟
يا إلهي لماذا شاءت قرعة المونديال الموجهة أن تحشرنا مع قوى شبه جزيرة إيبيريا من بين الـ32 منتخبا؟
رباه، كيف تعطلت عقارب الساعة السويسرية أمام البرتغال؟
ما كل مرة تسلم «القرعة»، خاصة حين يتعلق الأمر بقرعة حدث كوني كالمونديال، ففي كأس العالم روسيا 2018 حملتنا «كرات الحظ» لمعارك كروية، وكتب لنا أن نخوض معركة الملوك الثلاثة ضد البرتغال، ومعركة الزلاقة ضد إسبانيا ونلاقي شيعة إيران، واليوم تصر الكرة على أن تجبرنا على خوض نسخة منقحة من معركة كنا نفخر بها في دروس التاريخ ونحن تلاميذ.
لا يذكر البرتغاليون البسطاء هزيمة ملكهم سيباستيان وجيشه «المغوار» أمام المغاربة في معركة وادي المخازن، في عهد دولة السعديين، لكنهم يحفظون عن ظهر قلب دروس مونديال المكسيك ويذكرون هزيمة منتخب بلادهم سنة 1986 أمام النسخة الأصلية لـ«أسود الأطلس» في موقعة وادي الحجارة بثلاثة أهداف لواحد، ويتحسرون على خروج «البرطقيز» من تحت الباب في مباراة لم تغادر ذاكرة الرياضيين في هذا البلد، قبل أن يتواطأ معهم حكم مونديال 2018 ويمنحهم نصف ثأر في روسيا.
أربعة قرون على اندحار سيباستيان وجيشه «المغوار»، وست وثلاثون سنة مرت على هزيمة العميد سوزا وفريقه البرتغالي أمام المغاربة، لكن «البرطقيز» غالبا ما يربطون هزائمهم بأساطير عفا عنها الزمن.
لا يوجد بلد في أوربا يضاهي البرتغال في جرعات الفأل والتطير، فالصحف البرتغالية لم تستح وهي تصف فوز المنتخب المغربي على نظيره الإسباني بالسحر المبين، لذا لا يتردد الراسخون في الكرة البرتغالية في استحضار حكاية بيلا غوتمان، المدرب السابق لنادي بنفيكا الذي أقسم بأغلظ أيمانه، حين أقيل من منصبه، ألا تفوز بنفيكا بأي لقب أوربي حيا كان أم ميتا.
تحققت تنبؤات المدرب اليهودي، ومنذ مغادرته للفريق خاض بنفيكا ثماني نهائيات كؤوس أوربية دون أن يظفر باللقب، بل إن اللاعب أوزوبيو تجشم عناء السفر إلى المقبرة اليهودية التي دفن فيها غوتمان والتمس منه الصفح قبل أيام من مباراة نهائي عصبة الأبطال بين بنفيكا وأسي ميلان سنة 1990، لكن دون جدوى فالخسارة كانت قدرا محتوما في معارك الكرة والسياسة، ونبوءة الحاكم والمدرب ظلت سارية المفعول وكأن لعنة سيباستيان وغوتمان حلت بهم.
اليوم ينكب وليد الركراكي، مدرب المنتخب المغربي، على وضع الوصفة الملائمة لهزم البرطقيز، وإعادة كتابة تاريخ لمعركة وادي المخازن مباشرة من الدوحة. فقد احتل البرتغاليون مدنا ساحلية في غفلة من حكامنا، ولازال ذكرهم ساري المفعول في كثير من حواضرنا التاريخية التي تتعايش مع أحياء برتغالية.
في حلمه وفي يقظته يفكر وليد في المارد البرتغالي كريستيانو رونالدو، بينما يفكر هذا الأخير في مشاريعه المنتشرة في مدن المملكة، ويود مواجهة قوى كروية أخرى لا تربطه بها آصرة المشاريع التجارية.
غدا ستقرع طبول المعركة الكروية، وستتراقص أمام زياش وحكيمي وبونو صورة سيباستيان الذي انتهى جثة هامدة في تربة المملكة الشريفة، ومع إطلاق صفارة البداية ستنسحب سحب الفأل والتطير من الميدان لتفسح المجال للأقدام.
الآن، فقط، فهمت لماذا يستهل البرتغاليون قراءة الصحف بإطلالة على زاوية الأبراج.