لعبة التشكيك
قد يعتقد للوهلة الأولى كل من يسمع رئيس الحكومة يتحدث عن نتائج انتخابات الغرف المهنية، واتهام أحزاب دون ذكرها بأسمائها بالاستعانة بمافيات لإغراق السوق الانتخابية بالأموال وسرقة المرشحين، أننا في قلب دولة من دول كارتيلات المخدرات بأمريكا اللاتينية، أو نعيش وسط دولة مارقة لا تتوفر على قانون انتخابي أو مؤسسات قضائية مشرفة على سير العملية، بينما لم تسجل العملية الانتخابية المخصصة للغرف التي شارك فيها أكثر من 12 ألف مرشح سوى حالتين أو ثلاث حالات لخرق القانون، تم التعامل معها بحزم وصرامة من طرف المؤسسة القضائية، وفق الضوابط القانونية اللازمة.
وينسى رئيس الحكومة في ذروة حماسته أمام مناضلي حزبه، أن استعمال مثل هذا الخطاب الذي له مرامي «تشكيكية»، يسيء أولا إلى منصبه كمسؤول مباشر على العملية الانتخابية، باعتبار الإدارة موضوعة تحت تصرفه بقوة الدستور، كما أنه يضع وزير الداخلية ورجال السلطة والقضاء موضع تقصير وشبهة عدم تطبيق القانون. فليس هناك من رسالة سياسية مصاحبة لإطلاق اتهامات بوجود مافيات أغرقت الانتخابات بالأموال، سوى أن جميع السلط متواطئة على خرق القانون، ولا تقوم بمهامها كما يجب، وتتغاضى عن «مافيات» تطوف الشوارع والدوائر توزع المال السياسي دون رقيب أو حسيب.
قد يمكن تقبل مثل هذا الخطاب التشكيكي الممنهج في العملية الانتخابية من لدن المعارضة الجذرية، أو من بعض العدميين الذين يحاولون نسف مشروعية المؤسسات المنتخبة لسيادة التشكيك في كل شيء، لكن لا يمكن استيعاب هذا التشكيك إذا كان صادرا عن رئيس حكومة، يفترض أنه يتحدث بلسان القانون ويشرف على حسن تنفيذه، بحجة أنه جزء من الخطاب الذي يفرضه السياق الانتخابي، أو أنه وسيلة مشروعة لجلب الأصوات وربح المقاعد، فلا يمكن بتاتا القبول بجعل مصلحة حزبية عابرة على حساب سمعة المؤسسات والعملية التي تقود إلى انتخابها.
وبدل أن ينجر رئيس الحكومة الى استراتيجية الطعن السياسي في الانتخابات والتشكيك في مصداقيتها، كان عليه القيام بواجباته الدستورية لمواجهة كل أشكال الاختلالات واتخاذ التدابير اللازمة، وكما قال الملك محمد السادس في خطابه أثناء السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة 2016: «نرفض البكاء على الأطلال، ونرفض أن يتم التشكيك في نتائج الانتخابات»، لافتا الانتباه إلى أن الذي يشعر بأنه مظلوم بسبب اختلالات معزولة، يجب أن يتجه إلى القضاء لإنصافه، لا أن يقلب الطاولة ويختبئ خلف التهم الباطلة التي ليس له عليها أي دليل.