لطيفة بوكرين.. أرملة الفنان أحمد الغرباوي التي أسقطتها أغنية «إنها ملهمتي» في شراكه
كانت أصعب اللحظات التي عاشتها لطيفة بوكرين مع زوجها أحمد الغرباوي (اسمه العائلي الحقيقي هو المكناسي)، تلك التي تحولت فيها إلى ممرضة مداومة، منذ أن تعرض لحادثة سير سنة 1979 في الطريق الرابطة بين الرباط وتطوان، كما عاشت أقصى درجات الاستنفار حين أصيب الزوج بشلل نصفي سنة 1997، نتيجة استفحال داء السكري ورفضه التقيد بتوجيهات الطبيب، خاصة على مستوى برنامجه الغذائي. قبل أن تعلن الزوجة «نكبة الغرباوي» إثر التراجع الرهيب لقواه البدنية ودخوله مرحلة صعبة من الداء إلى أن لازم الفراش بالمستشفى العسكري لعدة شهور انتهت ببتر إحدى رجليه التي تسلل إليها المرض الخطير، فمنعت عنه زيارة محبيه وأنصار فنه الرفيع إلى أن لقي ربه يوم 10 يناير 2009 عن سن يناهز 71 سنة.
لم تكن لطيفة هي الزوجة الوحيدة للفنان الراحل أحمد الغرباوي، فقد سبق للرجل أن تزوج في مناسبتين سابقتين، لكنها كانت ملهمته الأولى والأخيرة، بعد أن تقاسمت معه الحلو والمر، بل إن أول لقاء جمعهما كان بسبب أغنية أعجبت بها لطيفة وظلا يتغنيان بها إلى أن دخلا سويا القفص الذهبي الذي نتجت عنه علاقة طويلة أثمرت أربعة أبناء.
كشف الفنان لزوجته عن سر «إنها ملهمتي»، التي جعلته محاطا بكثير من المعجبات، وهي القصيدة التي كتبها الشاعر المصري أحمد نديم، الذي كان مديرا لمدرسة «المغرب العربي». وغالبا ما كانت لطيفة تصر على الرد شخصيا على المكالمات الهاتفية للمعجبات، لأنها كانت تعتبر ذلك مؤشر نجاح، ودليلا على امتلاك زوجها لقلوب الناس وجلب تعاطفهم.
وسبق لأرملة الغرباوي أن أوضحت أن أغنية «إنها ملهمتي» كانت عشق الغرباوي ولا يتردد في التغني بها. وأضافت أنه في اللحظة الأولى التي تعرفت عليه، طلبت منه أن يغني لها هذه القطعة، ومنذ تلك اللحظة انطلق المسار العائلي إلى حين وفاته.
ولأن الطريق السيار المؤدي إلى قلب الرجل هو معدته، فقد حرصت لطيفة على جعل السمك وجبة رئيسية في مائدة الأسرة، سيما وأن الغرباوي كان يعشق صيد السمك، ولم يكن يتوقف عند ممارسة هواية الصيد، بل كان يصحب معه أفراد أسرته إلى البحر ويدعوهم لتعلم هذه الهواية كما كان يلقنهم أسماء الحيتان. وكان يفضل قضاء عطلته الصيفية في شواطئ الأندلس، وتحديدا في مدينة ماربيا الإسبانية، حيث أمضى أياما جميلة لا يمكن نسيانها أبدا، حيث يصطاد السمك نهارا ويصطاد الإلهام الغنائي ليلا.
وحسب رواية نجلة الغرباوي، فإن زوجته لطيفة بوكرين «كانت معجبة بصوته ومالكة سره، وهي التي كانت تسهر على كل كبيرة وصغيرة في حياته، لقد أحبته بصدق وباذلها نفس الشعور، وساهمت بنصيب كبير في نجاح مساره الغنائي لكونها فنانة من نوع خاص، رغم أن توجهها بعيد كل البعد عن المجال الفني، حيث تعمل إطارا في إحدى الشركات الكبرى بالمغرب».
رغم الفضاء الفني الذي كان يغمر أسرة الغرباوي، فإنه ظل يحذر فلذات كبده من اتباع «حرفة الطرب»، لأنها لا تجدي نفعا، داعيا زوجته إلى الاهتمام بالشؤون التعليمية لابنيه وبنتيه، وظل يردد على مسامعهم حكايته مع والده والنصيحة التي لم يأخذ بها، حين حذره من ممارسة الغناء وذهب به الأمر إلى حد تحطيم العود على رأسه، حين باغته وهو يعزف في البيت، رغم أن الآلة لم تكن في ملكه، بل منحها له مدير المعهد الموسيقي في المدينة القديمة بالرباط ليشجعه على العزف.
ظلت زوجته تصف فريق «سطاد الرباطي» بالضرة، حيث كان الراحل يخصص لكرة القدم وقتا كبيرا من حياته، وغالبا ما كان يفضل الذهاب إلى ملعب «أحمد شهود» لمتابعة مباريات كرة القدم بدل قضاء وقت مع أفراد أسرته، بل إنه صرح في حوار سابق مع إحدى اليوميات المغربية بأن أغنية «إنها ملهمتي» تغنى بها تعلقا بفريق «سطاد الرباطي» الذي كان أحد أنصاره الغيورين عليه، إذ كان لا يتردد في غناء القطعة في بيته عند كل انتصار.
عاشت لطيفة مع زوجها أصعب المراحل، وساعدته على تجاوز العديد من المحن، كما كانت تعاتبه لعدم حصوله على امتيازات من صداقته مع الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يكلفه بمرافقة عبد الحليم حافظ كلما حل بالمغرب، بل إنه حضر لحظات الانقلاب العسكري للصخيرات، وعاش أطواره الصعبة إلى جوار «العندليب الأسمر»، الذي قلده في سهرة بالقصر الملكي حضرها الملك الحسن الثاني.
ومنذ حادثة السير المفجعة التي تعرض لها الغرباوي، ظل القصر على اتصال يومي بزوجته لطيفة، متحملا مصاريف العلاج والأدوية، حيث لم يبخل عليه ملك البلاد محمد السادس بعطفه المولوي ورعايته السامية، حيث تكفل بالفنان المريض منذ بداية مرضه إلى غاية وفاته.
وحسب سعيد هبال، فإن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد «أمر وزير الأنباء والثقافة آنذاك أحمد العلوي بأن يوظف الفنان أحمد الغرباوي بالإذاعة والتلفزة، أو في وزارة الثقافة بالرباط ليبقى رهن إشارة القصر الملكي، لكن الوزير عينه في السلم السابع، ولما علم الملك بذلك غضب وقال لوزيره: «هل مبدع «إنها ملهمتي» يوظف في السلم السابع؟».