1- ما هي المؤشرات التي يحملها تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص صرف الأحزاب للدعم العمومي ؟
ينبغي الإشارة إلى أن مهمة تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، مسندة إلى المجلس الأعلى للحسابات بمقتضى نص دستوري وهو الفصل 147 من الدستور، وبالإضافة إلى ذلك هناك تأطير قانوني دقيق موزع ما بين الأحزاب السياسية من جهة، وما بين مدونة المحاكم المالية من جهة ثانية، هذا مع الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية تتلقى مساهمات متنوعة من الدولة، كما هو الشأن بالنسبة للدعم الذي يتم تقديمه للأحزاب لتغطية مصاريف التدبير، وهو ما يسمى الدعم السنوي، وأيضا الدعم المخصص لتغطية مصاريف المؤتمرات الوطنية العادية، بالإضافة إلى الدعم المخصص للأحزاب من أجل تمويل الحملات الانتخابية، سواء الانتخابات الجماعية أو المحلية أو التشريعية، وتبعا لذلك، فإن المجلس الأعلى للحسابات، ومن هذه الزاوية، وضع مؤشرات تمكنه من ضبط عمليات صرف أو صحة النفقات، وهذا الأمر يتعلق بخانات يعمل المجلس الأعلى للحسابات على ملئها بالنسبة لكل حزب سياسي على حدة، ثم يصدر تقرير الخلاصات العامة.
وبالنسبة لهذه المؤشرات التي يعتمدها المجلس، نجد من قبيل مؤشر إرجاع مبالغ الدعم العمومي إلى الخزينة، والإشهاد بصحة الحسابات، والوثائق المكونة للحسابات المقدمة، بالإضافة إلى مسك المحاسبة وفحص صحة النفقات، ثم وسيلة أداء النفقات، وهذه المؤشرات في الحقيقة هي متكاملة، وتمكن فعلا من الإحاطة بالنفقات التي تقوم بها الأحزاب السياسية، إلا أنه رغم هذا التدقيق، ورغم المساطر والآجال المحددة في النصوص القانونية، فإننا مع ذلك نسجل العديد من المخالفات التي نجدها سنويا بالارتباط بالممارسات الحزبية في صرف التمويل العمومي، وأذكر منها، عدم الالتزام بالآجال القانونية أو تقديم مصاريف غير مبررة أو مصاريف لم يتم إرجاعها إلى الخزينة، وهكذا نجد أنه رغم المجهودات التي تبدل لضبط صرف الأحزاب السياسية للتمويل العمومي، فإن تعدد الأحزاب وكثرتها (34 حزبا سياسيا)، فمن الطبيعي أن نجد بعض الأحزاب التي قد لا تلتزم بما فيه الكفاية.
2- ما مدى فعالية آليات ضبط صرف الأحزاب لهذا الدعم؟
يمكن القول أن آليات الضبط التي ذكرت سابقا، تشكل أرضية جيدة، ولكن أعتقد أنه يلزمها المزيد من التدقيق، لأن المؤشرات التي يتم اعتمادها تطبق على كل الأحزاب السياسية سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، كانت في الأغلبية أو المعارضة، ولكن دون مراعاة خصوصيات والتزامات وواجبات الأحزاب السياسية، إذ أنه كيف يعقل أن هذا الدعم الذي يقدم لا يراعي الأنشطة المدونة للأحزاب السياسية من خلال طلب تقارير عن مختلف الأنشطة، لأن ما نلاحظه في الحياة الحزبية أن هناك أحزاب نشيطة جدا، وتقوم بأنشطة حقيقية، وتعمل على تأطير فئات عريضة من المواطنين، في مقابل أحزاب أخرى لا نكاد نسمع عنها إلا في المناسبات، كما أنه يجب أن تتم مراعاة هذا الجانب أيضا في الدعم الذي يقدم للصحافة الحزبية، إذ أنه لا يعقل أن هناك أحزاب سياسية متوسطة أو صغرى، لها جرائد وطنية، تتحمل تكاليفها، مقابل أحزاب أخرى كبرى وتتلقى دعما كبيرا جدا، لا تتوفر حتى على جريدة ورقية، ومن هنا ينبغي التفكير في المزيد من معايير منح هذا الدعم، بما من شأنه منح فعالية أكثر، كأن يكون من معايير هذا الدعم، دعم النساء، ليس عن طريق صندوق دعم تمثيلية النساء الذي هو موجود حاليا، ولكن أن يكون هناك دعم خاص لتشجيع ولوج النساء لمراكز القيادة الحزبية، ونفس الشيء يمكن أن ينطبق على الشبيبة، ومن هذا المنطلق، وكما أسلفت، يجب أن نراعي خصوصية كل حزب، وأن نجد معايير إضافية تعطي فعالية أكبر لضبط صرف الأحزاب للدعم العمومي ومدى حاجتها لهذا الدعم في الأساس، قبل منحها إياه.
3- في حالة عدم التزام الأحزاب بإرجاع المبالغ التي صرفتها من الدعم دون وجه قانوني، هل يمكن إلزامها قضائيا، ومن الجهة التي لديها صلاحية المتابعة القضائية لها ؟
هذه النقطة من النقاط التي تثير الإشكال، وهنا يجب الإشارة إلى أن التعامل مع القانون يجب أن يكون في شموليته، لأنه بالرجوع للمادة 47 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، لوجدناه يشير صراحة إلى أن كل استخدام كلي أو جزئي للتمويل العمومي الممنوح من طرف الدولة، لأغراض غير تلك التي منح من أجلها، يعد اختلاسا للمال العام، وبالتالي يعاقب عليه بهذه الصفة طبقا للقانون، ومعناه أن الدولة تسوي بين الأحزاب السياسية والإدارات العمومية والجماعات الترابية، والغرف المهنية، والمؤسسات والمقاولات العمومية وشبه العمومية، وبالتالي فالقوانين الزجرية والعقابية التي تطبق على كل تلك الجهات المعنية التي ذكرنا، ينبغي تطبيقها وبصرامة أيضا على الأحزاب السياسية.
وجب التأكيد على أن المجلس الأعلى للحسابات نفسه في حاجة إلى المزيد من تنقيح النص المؤطر له، لأن لديه سلطة تأديبة فيما يخص الجهات التمثيلية، وينبغي تمديد هذه السلطة لتشمل الأحزاب السياسية كذلك.
*أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الأول بوجدة